أطفالنا وتحمل المسؤولية copy
الخميس 9 رجب 1446هـ by ajjaj

أطفالنا وتحمل المسؤولية

لا يمكن بناء شخصية قوية متوازنة لأطفالنا ما لم نغرس في داخلهم قيمة المسؤولية، ليكونوا قادرين على التحكم بأفكارهم وسلوكهم وحل مشكلاتهم، وكي يكونوا قادرين على التفكير المتوازن واتخاذ القرار الصحيح.

ومن التعريفات التي وردت لكلمة المسؤولية ما جاء في معجم المنجد أنها:”ما يكون به الإنسان مسؤولًا ومطالبًا عن أمور أو أفعال أتاها”، أو هي: “أن يتحمل الإنسان نتائج الأفعال المحرمة التي يأتيها مختارًا وهو مدرك لمعانيها ونتائجها”، وعرّف مجمع اللغة العربية بالقاهرة المسؤولية بأنها “شعور الإنسان بالتزامه أخلاقيًا بنتائج أعماله الإدارية فيحاسب عليها إن خيرًا وإن شرًا”، وتطلق (أخلاقيًا) على: التزام الشخص بما يصدر عنه قولًا أو عملًا، وتطلق (قانونيًا) على: الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقًا لقانون.).

ولا تستقيم شخصية الطفل وبناؤها البناء السوي دون قدر من المسؤولية يتحمّلها تناسب قدراته العمرية والذهنية والنفسية والجسدية، ومع أهميتها فإنه قد يحجم أو يتردد بعض الآباء عن تحميل الأطفال المسؤولية ويرجعون ذلك لعدة أسباب منها:

  1. الفهم الخاطئ لمفهوم الحرية، واعتبار أن الطفل بإمكانه أن يفعل ما يريد وأن يتصرف كما يشاء دون أن يتحمل مسؤولية ذلك، ومن هذا المنطلق ينشأ الأطفال من هذا النوع غير مبالين ولا يتمكنون من تجاوز أي مشكلات تعترضهم في مجتمعهم، كما إنهم يفقدون مزايا كثيرة في التفكير وبناء الشخصية عند من يتحملون المسؤولية.
  2. اعتبار الأطفال أنهم غير قادرين على اتخاذ أي قرار فيما يتعلق بحياتهم، كاختيار ألوان الملابس التي يفضلونها، أو اختيار اللعبة المناسبة، أو الطعام المناسب، كلها أشياء يفرضها الأهل دون أن يناقشوا أولادهم فيها ودون أن يفسحوا لهم مساحة للتفكير وتحمل مسؤولية القرار، مما يجعلهم متواكلين مترددين معتمدين بالكامل على والديهم.
  3. يعتقد بعض الآباء أن الأطفال لن يتمكنوا من اتخاذ قرارات صحيحة، ويتهيّبون من منح هذه الفرصة لأطفالهم، وبالتالي هم يسلبون أطفالهم منحة التأمل والتفكير وخوض التجارب، فتنشأ شخصياتهم هشّة تعاني مع كل موقف يتعلق باتخاذ القرارات..

ومن هذا المنطلق لابد أن نعرف الأسباب التي تدفعنا للاهتمام بالمسؤولية باعتبارها قيمة تربوية أساسية:

  1. تساعد الطفل على اتخاذ القرار الصحيح، فحينما يطالب الطفل بأمر ما قد لا يدرك نتائجه وعواقبه، ولكن عندما يعرف أنه سيتحمل تلك النتائج، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فسيفكّر بالأمر وسيجتهد ليكون قراره سليمًا قدر الإمكان.
  2. تنمّي لدى الطفل القدرة على حل المشكلات: وذلك عندما ينظر لنفسه كشخص مسؤول، فسيبحث عن طرق أكثر نضجًا في التعامل مع مشكلاته، وهذا سيدفعه ليبحث ويتعلم ويسأل ويستشير حتى يتمكن من إيجاد الحل المناسب.
  3. تبني الثقة في نفس الطفل، وتعالج لديه مشكلات الخوف والتردد، وكلما استطاع اتخاذ قرار صائب سيصبح أكثر ثقة وأقل خوفًا.
  4. تعزز مفهوم الرقابة الذاتية، فيصبح الطفل قادرًا على مراقبة أقواله وتصرفاته ونقدها، ويستطيع تمييز الخطأ والاعتذار وقت الحاجة.
  5. تساهم في امتلاك الطفل لروح المبادرة والتأثير بمحيطه، فالطفل الذي أصبحت لديه حصيلة من الخبرات والتجارب يستطيع أن يبادر ويطرح الأفكار ويحفز جميع من حوله للتعاون والعمل الجماعي.

وهنا لابد أن نجيب عن سؤال مُلحٍّ حول الكيفية التي يمكن من خلالها أن يتحمل الأطفال المسؤولية، وفي هذا عدة طرق:

  1. التكليف:
    وذلك من خلال تكليف الطفل بمهام واضحة ومحددة بعد مناقشته، وتشجيعه على القيام بتلك المهام، ومن ثم مناقشته بمهامه وكيف قام بها، ومكافأته على ذلك، كلها خطوات مهمة لبناء شخصية مسؤولة، كذلك الأمر مع التكليف بأعمال جماعية يشارك فيها مجموعة من الأطفال، فإن هذا يبني النضج لديهم ويساعدهم على العمل المشترك.
    أمثلة عملية:

    • تكليفه بإدارة مصروفه الشهري.
    • تكليفه بالمسئولية عن إيقاظ الجميع لصلاة الفجر.
  1. النمذجة والتعليم بالقدوة، فحين يشاهد الطفل أمامه سلوك الآخرين، ويناقشه، فسيحاول تقليد السلوك الإيجابي ويتجنب السلوك السلبي.
    أمثلة عملية:

    • ربطه مع أخيه الأكبر بمسؤولية مشتركة يكون دوره مساعد ومتابع.
  1. التعلم بالمحاولة والخطأ: فكثيرًا ما تكون للأخطاء جوانب إيجابية يمكن للطفل نقدها والتعلم منها وهذا يضيف لشخصيته كثيرًا من النضج والوعي.
    أمثلة عملية:

    • تكليف الطفل بمسؤولية معينة واخباره بأن لديه ثلاث محاولات خاطئة مقبولة.
  1. طرح الأسئلة: فالسؤال ضروري ليساعد الطفل على إيجاد الإجابات الملائمة للأمور المتوقع حدوثها، واكتشاف أبعاد المشاكل والقضايا التي يدور تفكيره حولها، وتشجيع الطفل كذلك على طرح الأسئلة أمر إيجابي كي يتجه نحو التفكير الصائب.
  2. الحوار: فبالحوار يتمكن الطفل من أن ينظر للأمور بشكل أكثر شمولية واتساعًا وتوازنًا، ومن خلاله يمكنه أن يحلل المواقف ويتخذ قراراته ويتحمل مسؤولياته بشكل أفضل؛ كما أنه يرفع لديه مستوى الاهتمامات والذي يعتبر العمود الفقري لتحمل المسئولية.
    أمثلة عملية:

    • الحوار معه حول مشكلة معينة في البيت أو عند أحد إخوانه أو ظاهرة سلبية في مدرسته.

أما الاعتبارات التي ينبغي أن يحرص عليها المربي وهو يغرس قيمة المسؤولية فهي:

أولًا المسؤولية التعبدية؛ فالأمر بالعبادة في الكتاب والسنة لمصلحة ونجاة الإنسان، وقد قال تعالى في كتابه الكريم: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132]، فالأمر بالعبادات من باب تحميل المسؤولية للطفل في ذلك من باب تعويده، فلا يستثقل القيام بها عندما يؤديها، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:8]. وهنا ينعكس تحمل الأهل للمسؤولية على حسن تربية الأبناء وتوجيههم التوجيه الصحيح.

ثانيًا: المسؤولية عن الذات؛ فتربية الطفل منذ الصغر أنه مسؤول عن أقواله وأفعاله، وكلما كان قادرًا على التعلم من أخطائه فإن ذلك سيسهم في نموه ووعيه وإدراكه، وحين يغرس المربي في داخله أن الله مطلع على أعماله وتصرفاته؛ فإن هذا سيكون حافزًا ليقدم أفضل ما يرُضي الله تعالى عنه، قال تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].

ثالثًا: المسؤولية العاطفية؛ فلابد من تنمية الذكاء العاطفي لدى الطفل، وفي تنميته تعميق لروح المسؤولية في فهم وضبط المشاعر، وكذلك في التعاطف مع الآخرين وحسن التعامل معهم.

رابعًا: مسؤولية العقل والحواس؛ وتتطلب هذه المسؤولية بناء العقل وتغذيته بكل ما ينفعه، ووقايته من كل ما يضره، وكذلك الحواس، فلابد من توجيه الحواس لتؤدي ما أراده الله تعالى منها، فلا تبطش، ولا تفسد، ولا تسيء ولا تضل، وقد دعانا الله في هذه المسؤولية أن نتحرى الصواب، ونبني عقولنا بالعقل والمعرفة والفهم لأننا سنُسأل عن كل ذلك، قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

خامسًا: المسؤولية المجتمعية؛ ويقع في إطار هذه المسؤولية أن يهتم الطفل بواقعه ومجتمعه، وأن يغرس المربي فيه الرغبة والهمة والمبادرة للإصلاح والتغيير، والنقد البنّاء لما يشاهد ويسمع من مشكلات وأخطاء تواجهه، فإنه ليس بمعزل عنها، ولا يمكن أن يتابع حياته دون أن تعترضه في محيطه مشكلات ومعوقات، وبالتالي فلا بد من اتخاذ روح المبادرة لما في ذلك من بناء القدرة وتحفيز الطاقة لعمل الخير ونشره، قال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110].

ولابد مع الإلمام بكافة هذه الجوانب مع التأكيد على أن غرس قيمة المسؤولية في نفس الطفل تحتاج إلى كثير من الصبر، وقدر من الاهتمام والمتابعة، يصاحبها التشجيع والثناء، مما يسهم في بناء جيل مسؤول قادر على النهوض بواقعه وبأمته.


المراجع:

[1] تعريف المسؤولية، سجاد أحمد بن محمد أفضل، الألوكة، 2015.

[2] المسؤولية التربوية بداهة المفهوم ومفارقات الممارسة، د. لطفي حجلاوي.

[3] مسؤولية الأسرة عن تربية الأبناء، محمد عبد الله الجبوري، رابطة العالم الإسلامي.

[4] تربية الشعور بالمسؤولية عند الأطفال، كونستانيس فوستر.