التأمل والتفكُّر في الكون للأطفال copy
الأربعاء 16 ذو القعدة 1446هـ by ajjaj

التأمل والتفكُّر في الكون للأطفال: أهميته وأساليبه

لقد أكرمَ الله تعالى الإنسان بالعقل وميَّزه به عن سائر مخلوقاته، فمَن استعملَه في الخيرات والأعمال الصالحات فقد غَنِم وفاز، ومَن استعملَه في الشرور والإيقاع بين الخلق فقدَ خسِر وخاب.

وإنّ من مقتضيات هذه المَكرُمة التدبُّر -والذي يقصد به “التفكر والتأمل”- في خلق الله ، وهو عبادةٌ من أجلِّ العبادات، وقد أثنى الله تعالى على أولي الألباب الذين يذكرون الله في كل أحوالهم ويتفكرون في آلائه، فقال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ [آل عمران: 191]. وورد عن أبي الدرداء قوله: تفكّرُ ساعة خيرٌ من قيام ليلة.

ورحم الله مَن قال:

تأملْ في الوجود بعينِ فكرٍ ترى الدنيا الدنيّة كالخيال
ومَن فيها جميعاً سوف يفنى ويبقى وجهُ ربّك ذو الجلال

 أهمية التأمّل والتفكّر عند الأطفال

إن فضيلة (التأمّل والتفكّر) بالكون ينبغي أن يستشعرَها الطفل بما يعقله، من خلال مشاهدات عوالِم البَرِّ والبحر والجو، واختلاف الليل والنهار، ومراحل تكوّن الإنسان وضعفه وقوّته، وتعاقب الفصول الأربعة، وتطوُّر النبات وإزهاره وإثماره، ودورة المطر مُذ كان بخارًا ثم سحابًا، وغيرها كثير لا يحصر.

وينبغي أن يسعى والداه لتحفيزِ عقله بما يدور حولَه، واستجلاب ما يثير انتباهه، ويحيي في نفسه فضيلةَ التأمّل والتفكّر، لأن في إحيائها في نفسه اختصارُ الطريق الطويلة التي توصل إلى تعظيم الله تعالى في النفس، وخَشيته، والثقة به والتوكل عليه، وبالتالي الانصياع عن قناعة لطاعته والامتثال لأمره، والانتهاء عمّا نهى عنه. 

وسائل لتنمية التأمّل والتفكر عند الأطفال

هناك وسائل كثيرة لتوسيع مخيلة الطفل بالتأمّل والتفكر في الكون قد تغيبُ عن ذِهن الآباء والأمهات، على الرغم من أهميتها، فأذكر هنا أبرزَها وأكثرَها واقعيةً في حياتنا:

1- الأسئلة: وهي أهم وسيلة من وسائل إثارة عقل الطفل واستدعاء تفكيره وتصوّره للوصول إلى إجابات. وسواء كانت الإجابة مقنعة له أم غير مقنعة، فهي وضعته على الطريق الصحيح، وقرّبته من الحقيقة خطوة..

ثم إنَّ الأسئلة مفيدة، سواء كانت عامودية بالاتجاهين (أب أو أم_ ولد)، أو أفقية بالاتجاهين (ولد_ ولد).

فمن الأولى: أن يطرح الوالد على ولده سؤالاً، ثم يجعل منه بداية محاورة فكرية بينه وبين ولده، تأخذ بالطفل إلى أن يتأمل بنفسه، ويربط الخَلق بالخالق. وقد يكون السؤال موجّه من الولد بداية، وهذا أدعى لإنجاح الحوار وتحقيق مراميه.

مثال عن هذا النوع من الأسئلة

لو سئل الطفل والده مثلاً: ما يوم الغد؟ فيمكن أن تكون الإجابة: هو يوم الخميس، ثم يطرح الوالد عليه هذا السؤال: أتعرف كيف ينتهي اليوم ويأتي الغد؟ فيكون الجواب من أحدهما: عندما تغيبُ الشمس ويحلّ الليل، ثم تشرق الشمس على يوم جديد، وهكذا دواليك، فالأيام تتشكل من خلال تقلّب الليل والنهار، ويذكر له آيات الليل والنهار من مثل قوله تعالى: واللّيلِ إذا يَغشَى ۝ والنَّهارِ إذا تجلَّى [الليل:1، 2]. وقوله تعالى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر: 5]. 

وبذلك ينتقلُ ذهنُ الطفل تصور التعاقب بين الليل والنهار، ثم ينتقل إلى عظمةِ الله ، وخاصةً عندما يعرف بأنَّ الناس يعرفون الأيام بالشمس، ويعرفون الشهور والأعوام بالقمر، وهذا من حكمة الله تعالى وفضله. 

كذلك في الأسئلة الأفقية التي تطرح بين الأولاد ينبغي ألا يغفلها الأولياء، بل يشاركون فيها حال اقتضى التدخّل، وخاصة الأسئلة المهمة، التي تفتح الطريق للوصول إلى توسيع خياله.

2- الصحبة الصالحة: من وسائل تنمية التأمل والتفكّر لدى الطفل، اصطحابه إلى مجالس العلم، واختلاطه بالعلماء والصالحين، ولقد ورد أن لقمان الحكيم كان يقول لابنه: “يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء”.

3- أصل الطعام المفضّل: يُبدي الأطفال رغبةً كبيرة في تفضيل أنواع من الطعام على أنواع أخرى، فيمكن أن يحضّر له الطبق الذي يحبّه، ويكون الطعام بداية حديث دافئ بينه وبين والديه، عن سُبل الحصول على الطعام، وأصله، وتعظيم خالقه الكريم المنّان.

مثالان عن أصل الطعام المفضّل

فلو كانت الأم تحضّر للطفل (البطاطس) الطعام المفضل لديه، فيمكنها أن تشرح له مراحل تشكل البطاطس، بدءًا من البذور إلى الثمار، وأنّ ثمارها مخفيّة تحت التراب، ينبشها المزارع ويجمعها في الأكياس ثم يأتي بها السوق، فيشتريها الناس، ويجلبونها إلى بيوتهم ويقطعونها ويضعونها في الزيت المغلي، لتنضج على الهيئة التي يحبها.. وينبغي أن تركّز في حديثها على بديع صنع الله تعالى لهذه الثمرة من إنباتها إلى تكوينها على الصورة التي يراها الطفل، لتحقيق الربط بين رغبة الطفل واليد الكريمة التي ساقت له تحقيقها، فيَعظُم الله في نفسه.

وإن كان يحبُّ الكعكَ مثلاً:” يمكن أن يُبيّن له أنَّ أصلَه قمحًا، ويُشرح له مراحل تكوّن القمح، وكيف كانت بذورًا، ثم أنبتها الله حتى استوت سنابل، ثم حلّ حصادُها وبيعها، وبعد ذلك طُحنت وعجنت، وخبزت الكعك الذي يحبّ. ويذكّر الطفل بأنّه يحصل على الأطعمة التي يحبّها بكرمِ الله تعالى، وفضله ومنّـته.

4- دورة المطر: تنتعشُ النفس بهطول الأمطار، لاسيما في هطوله للمرة الأولى في فصل الشتاء، ويبتهج له الأطفال أيّما ابتهاج.

وفي هذا المشهد تسنحُ الفرصة لتوجيه ذهن الطفل إلى مجري السحاب ومنزل الغيث عن طريق شرح دورة المطر، من البداية عندما تتصاعد أبخرة البحار، ثم تتشكل سحباً رماديّة، بسبب الهواء البارد، فتسوقها الرياح إلى مناطق اليابسة، بعد ذلك تهطلُ أمطارًا وثلوجًا مصحوبةً بالرعد والبرق، وهي سبب لإنبات الزرع. ويمكن ذكر الآية الكريمة: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الروم:48].

 ويكون الشرح مناسبًا لسِنّ الطفل وفهمه، ليوافق فيه تعظيم المنعم، وحمده على هذه النعمة الجليلة. 

5- مشاهدة النجوم والقمر: كأن يصعد الأبُ بابنه ليلاً إلى سطح البيت، أو يصحبه إلى البادية، حيث تقل فيها الأضواء التي تعكّر رؤية النجوم والقمر، ويقلّبا وجهيهما في السماء.

ولا بد أن يثير مشهد النجوم والقمر في نفس الطفل أسئلة، مثل: ما النجوم؟ كيف نذهب إليها؟ من خلقها؟ ونحو ذلك ..

فتكون فرصةً ذهبية لشرح أوصافها وكُبَر حجمها، وبُعدها الذي يقاس بالسنين الضوئية، حتى إذا ظهرتْ علامات الدهشة عليه، أُخبر بأن ذلك كله من خلقِ الله تعالى، فتترسخ في نفسه معاني التعظيم.

6- زيارة المرضى: إنّ في اصطحاب الآباء أبناءَهم إلى المستشفى أو بيت المريض والاجتماع به ورؤية حالته والدعاء له بالشفاء- استحضارًا للطفل الفرق بين المعافى والمريض، وقد يغفلُ الطفل عن هذا التصوّر، فيذكّره والده في طريق العودة بنعمةِ العافية التي أسبغها الله تعالى عليهم، وأن المرض ابتلاء وامتحان من الله ​​​​​​​ يتطلب الصبر.

7- الرحلات: وهي قِبلة قلوب الأطفال، يطلبونها ويستمتعون فيها. سواء قصدوا فيها مرتفعات الجبال لرؤية الثلوج، أو الغابات التي تجري تحتها الأنهار، أو شواطئ البحار، فلو كانت الرحلة إلى البحر مثلاً، فإنَّ الماء الكثير والأمواج المندفعة والسفن التي تجري فيه لآيات تأخذ بألبابهم وقلوبهم، يمكن للوالدين أن ينفذوا من خلال هذا الآيات إلى توجيه ذهن الطفل إلى الخالق

8- الأذكار: تحفيظ الطفل بعضَ الأذكار البسيطة التي تناسب عمره، مثل التسمية والحمد عند الطعام، وأذكار دخول البيت والخروج منه، وأذكار النوم واللباس، مع الحرص على ربط هذه الأذكار بالنّعم التي يتقلب بها، لأنَّ في ذلك تحفيز للتفكير بقدرة الله تعالى ورحمته وحفظه. 

9- المشاهدة الافتراضية: مثل حضور مقاطع فيديو أو أفلام وثائقية عن عالم البحار والمحيطات والطيور والحيوانات، كأن يشاهد اختلاف أشكال الأسماك وألوانها، وكذلك الحيوانات المفترسة، والطيور الجارحة، ومثل مشاهدة فيلم وثائقي عن النحل أو النمل، ومتابعة مجرياته بطرح بعض الأسئلة على الطفل، وأخذه من هذه العوالم إلى عظيم قدرة الخالق

نموذج تطبيقي لتحفيز عقل الطفل

مثل أن يُطلب من الطفل زراعةَ نبتةٍ في حديقة البيت، أو في الشرفة، حيث يأتي بوعاء مملوء بالتراب الرطب، ثم يطلب منه أن يبذر فيها حفنةً من حبات عدس غير مقشّر، ويعرضه للشمس، ويعتني به مدة 10 أيام، ثم يظهر النبات أمام عينيه، فيقال له: هذا خلق الله يا بني..

أخطاء في طريق التفكّر لدى الأطفال

من أبرز الأخطاء التي يرتكبها الوالدان مع الطفل، وتسبب تضييقًا لمداركه، هي: 

1 – توبيخه على الأسئلة التي يطرحها: كأن يقال له: تفكيرك سيّئ.. 

2 – تجاهل أسئلتِه بسبب الانشغال عنه. 

3 – الاكتفاء بالتذكير بالأسباب دون ذكر المسبب، كأن تناقش الأم طفلَها في جمال الطبيعة وصوت البلابل وجريان الأنهار من دون أن تربط ذلك بالمسبب الخالق .

ختاماً: من يريد أن يُنشّئ جيلاً مفكّرًا صالحًا، فعليه أن يراعي فيه طريقَ تنمية التفكير وتوسيع الخيال ليشمل عجائب قدرة الله تعالى في الكون وبدائع صنعه، وبذلك يشحن الهمّة ويحفّز على السلوك الحسن والأعمال الصالحة. 1للاستزادة: تعليم تدبر كتاب الله .. أساليب عملية مراحل منهجية، د. هاشم بن علي الأهدل، جدة، معهد الشاطبي، مركز المعلومات والدراسات القرآنية، ط 1430هـ.

  • 1
    للاستزادة: تعليم تدبر كتاب الله .. أساليب عملية مراحل منهجية، د. هاشم بن علي الأهدل، جدة، معهد الشاطبي، مركز المعلومات والدراسات القرآنية، ط 1430هـ.