الثواب والعقاب -محاذير وفوائد
تعد تربية الأطفال بأسلوبي الثواب والعقاب من أفضل أشكال التربية، لأنها مرتبطة بنزعة فطرية لدى الإنسان، وهي الفرح بالثواب والخوف من العقاب، ولهما تأثير على سلوكه وبنائه النفسي، فالثواب يساعد في تعزيز وتثبيت السلوك الإيجابي وتدعيمه، وتحسين الأداء وتقويمه، فعندما نكافئ الأطفال على سلوكياتهم الحسنة ونقابلها بالاستحسان والقبول، فإننا نبث الثقة في نفوسهم ونشجعهم على اكتساب المزيد من السلوكيات الجيدة، وقد كان النبي يستخدم المكافأة والثواب في إثارة نشاط الأطفال للتسابق، ويقول لهم: “من سبق فله كذا”، فكانوا يستبقون إليه ويقعون على صدره، فيلزمهم ويقبلهم، فالشكر والثناء والاستحسان وتقديم الهدايا البسيطة يدفع الطفل إلى المزيد من النجاح، أما العقاب وحده فإنه يدفع الطفل إلى الخمول وضعف الأداء، وتثبيط الهمة.
وسنتناول في هذا المقال:
كيفية تربية الطفل بأسلوبي الثواب والعقاب، من حيث الضوابط والفوائد والمحاذير التربوية.
ويعرف الثواب بأنه شكل من أشكال التعزيز الإيجابي للسلوك الإنساني، ويشمل مجموعة من الحوافز والمكافآت المادية والمعنوية، مثل الهدايا والجوائز وعبارات الثناء والشكر والتقدير، وتقدم للطفل مقابل السلوك الجيد الذي يظهر منه، وذلك لتنمية العادات السليمة في شخصيته.
أما العقاب فهو إجراء تأديبي إصلاحي يقصد منه نبذ السلوك السيء ومنع الطفل من ممارسات غير مرغوبة، بوسائل موضوعية، تحفظ كرامة الطفل، وتضبط سلوكه، مما يكفل تعديل سلوكه نحو الأفضل، فالعقاب هو إيقاع الجزاء على الطفل نتيجة لقيامه بسلوك مرفوض أو فشله في أداء سلوك مطلوب، ومن أنواع العقوبات: الحرمان واللوم والتوبيخ والإنذار والضرب.
محتويات المقالة
ضوابط استخدام الثواب في تربية الطفل
حتى يؤدي الثواب دوره في تعزيز السلوك الإيجابي، وتعديل السلوك السلبي، لا بد من توفر مجموعة من الشروط والضوابط في استخدامه، نذكر منها ما يلي:
- التنويع في استخدام المكافآت حتى لا يشعر الأطفال بالملل والفتور، فأحياناً تكون هدية عينية مثل ساعة يد أو قلم أو كتاب، وأحياناً تكون شهادة تقدير أو درع أو لوحة شرف.
- أن تتناسب جودة المكافآت مع طبيعة الأطفال، فقد يناسب بعض الأطفال التعزيز اللفظي، وقد يناسب البعض الآخر التعزيز المادي، فالوالدان والمربون هم أقرب الناس إليهم وأدرى باحتياجاتهم ومتطلبات نموهم والفروق الفردية بينهم، وميولهم ونمط شخصياتهم وقدراتهم.
- أن تكون المكافأة منطقية وغير مبالغ فيها، وذلك باستخدام العبارات التحفيزية التي تتناسب مع مستوى السلوك، فليس من المنطقي الثناء على فكرة تافهة، أو ذم فكرة ممتازة، وعدم المبالغة في شراء الهدايا والجوائز العينية الغالية الثمن أو الرخيصة، فلا إفراط ولا تفريط.
- الإكثار من الثناء والجوائز في البدايات، ثم التقليل منها تدريجياً حتى لا يتعلق الطفل بالجائزة فيفقد الحافز الذاتي والعمل المتقن، كما أن الاقتصاد في الثواب يجنب الطفل الغرور.
- اقتران الجائزة أو المكافأة بجملة تحفيزية ودعاء صادق، قال رسول الله : من صُنع إليه معروفاً فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء .
ضوابط استخدام العقاب في تربية الطفل
الطفل بحاجة للعقاب عندما يحاول اختبار حدود السلوك المسموح من السلوك غير المسموح، وفي هذه الحالة لابد من استخدام النظام الحازم دون تحفظ أو انفعال، كما ينبغي التدرج في استخدام العقوبات، وأن تكون إنسانية وفي أضيق الحدود، وألا تترك أثراً في شخصية الطفل ونفسيته، والعقاب الناجح هو الذي يؤدي إلى إلغاء السلوك السلبي، وبالتالي فلا حاجة إلى تكراره، ومن الضوابط اللازمة لاستخدام العقاب في تربية الطفل ما يلي:
- التغافل والتجاهل لخطأ الطفل في البداية، مع الإشارة والتلميح دون المواجهة والتصريح، حتى يعطى فرصة لمراجعة سلوكه وتصحيح خطأه، وبعد التلميح يأتي التصريح بالتوبيخ والعتاب سراً، مع مراعاة عدم الإكثار من ذلك حتى لا تسقط هيبة المربي.
- عتاب الطفل ولومه جهراً، وذلك عندما يستمر على خطأه بعد معاتبته سراً، فيعاتب أمام إخوانه في الأسرة أو أمام زملائه في المدرسة، مع مراعاة استخدام الألفاظ الخالية من الشتم أو السب أو التحقير، لأن الهدف من معاتبة الطفل جهراً هو استغلال خوف الطفل على مكانته بين أقرانه، بالرجوع عن الخطأ وتعديل سلوكه، وأيضاً حتى يكون عظة وعبرة للآخرين.
- العقاب: بادئ ذي بدئ فإن التربية لا تتحقق إلا بقدر من الحزم والاعتدال غير أن اللجوء للعقاب لتحقيق النظام لا يعني أبدا استخدام العقاب الجسدي أو النفسي؛ لأن بعض المربين يستعمل ــ أحيانًاـــ جسده كوسيلة للهجوم على التلميذ، ويشمل العقاب الركل واللكم والضرب وجر الأذن والوقوف على أحد الرجلين، وقد يصل إلى إصابات جسدية بالغة في جسم التلميذ.
وقد يستعمل العقاب النفسي للحط من كرامة التلميذ، والتسبب في الألم النفسي، ويشمل التخويف، والانتقاد، والاحتجاز في الصف، والقسوة في المخاطبة. وكل هذا لا يصح ولا ندعو إليه أبدًا…. وحيث إنه من الصعوبة بمكان التقيد بضوابط للعقاب حتى لا يخرج عن مغزاه التربوي حيث لا بد أن يكون الضرب على خطأ حقيقي وليس على شبهة، وألا يكون شديداً مبرحاً، ولا يزيد عن ثلاث ضربات، ولا يكون على الوجه أو أماكن حساسة في الجسم، ولا يضرب الطفل الصغير قبل سن العاشرة، وقد قال النبي : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع1رواه الترمذي.، وقد روي أيضاً “علقوا السوط على الجدار وذكروهم بالله”، أي تعليق عصا صغيرة أمام الطفل، ولا يضرب بها، فإذا رآها هابها، وإذا ذاقها هانت عليه، وتعود جلده على الضرب، وتذكيره بالله وذلك بربط السلوك الجيد بحب الله ودخول الجنة، والسلوك السلبي بغضب الله، ولما ثبت أيضًا أن العقاب البدني قد يعود بالأثر السلبي على الطفل أكثر من الإيجابي وفق ما أثبتت ذلك بعض الأبحاث؛ فإنه ولهذه الأسباب مجموعة فإننا لا ندعو إليه ولا نود أن يكون ضمن قاموس المربي عند استخدامه وسائل العقاب التربوي المتنوعة.
- أن يكون السلوك المستهدف واقعياً يمكن تعديله، وبالتالي لا بد من تحديده وتعريفه إجرائياً، والتأكد من أن الطفل يفهم جيداً ما هو متوقع منه، وما هو السلوك المرغوب قبل البدء بتنفيذ العقاب.
- تطبيق العقاب بهدوء، فهو حالة استثنائية يلجأ إليها المربي إذا لم تنجح الوسائل الأخرى في الإصلاح، ويجب ألا تمس العقوبة كرامة الطفل ولا إرهابه، وألا يعاقب المربي وهو في حالة غضب، بل عليه أن ينتظر حتى يهدأ، ويعطي لنفسه وللطفل المخطئ فرصة للتفكير.
- سلامة الطفل وحمايته نفسياً وفكرياً واجتماعياً وجسدياً مهما كانت المبررات، لذا يجب قبول أعذار الطفل إذا كانت صادقة، وإشعاره أن الوقوع في الخطأ ليس عيباً، ولكن العيب هو الإصرار عليه والتمادي فيه، والتوقف عن العقاب إذا أدى إلى العناد والتمرد، والابتعاد عن استخدام عقوبة الاستهزاء، أو الحرمان من الاحتياجات الضرورية، أو العقاب الجماعي بسبب خطأ فردي.
فوائد الثواب والعقاب في العملية التربوية
استخدام أسلوبي الثواب والعقاب في تربية الأطفال تذكرهم بالثواب العظيم الذي أعده الله للمحسنين في الدنيا والآخرة، قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة:120]، فتصبح المكافئات والجوائز والهدايا وسيلة لا غاية، مما يشجع الأطفال على العطاء والشعور بالمسؤولية، فتتحول أعمال الخير إلى سلوك محبوب ومتأصل في شخصياتهم، ومن أهم فوائد الثواب والعقاب في تربية الأطفال ما يلي:
- الثواب والعقاب ينمي لدى الطفل مبدأ العدالة الاجتماعية في الحياة، وذلك بإثابة المحسن، وإصلاح المسيء وتوجيهه نحو السلوك الجيد، ليميز بين الخير والشر.
- الثواب والعقاب يشجع الطفل على التحلي بالسلوكيات الحسنة والأعمال المرغوب فيها، والتخلي عن السلوكيات السيئة، كالغش والكذب والكسل والتردد والتسويف والغرور.
- الثواب يزيد من الدافعية لدى الأطفال، والشعور بالرضا والسرور، والثقة بالنفس، مما يحفزهم نحو التعلم المستمر، والجد والاجتهاد وزيادة مستوى التحصيل العلمي، والسلوك الإيجابي.
- تقديم المكافآت الهادفة تشيع أجواء التنافس الإيجابي بين الأطفال، وتسهم في إحداث التفاعل الاجتماعي سواءً داخل الأسرة أو المدرسة أو المحضن التربوي.
- تقديم الهدايا والجوائز والمكافآت المختلفة تحسن العلاقات الاجتماعية وتوثقها وتبني جسور التواصل بين الأطفال وآبائهم ومربيهم، قال النبي: تهادوا تحابوا .
- استخدام العقاب ضروري لضبط النظام في البيت أو المدرسة، كما يجبر الطفل على الالتزام بالقيم، وتحمل مسؤولية تصرفاته، ويعالج كثير من المظاهر السلبية في شخصية الطفل مثل: الدلال الزائد والتهاون والأنانية.
المحاذير التربوية في استخدام الثواب والعقاب
استخدام الثواب والعقاب في تربية الطفل ينطوي على محاذير تربوية أهمها ما يلي:
- العقاب الشديد للطفل: استخدام العقاب القاسي والشديد، قد يعيق نمو الطفل ويؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها، من أهمها فقدان ثقته بنفسه وبالآخرين، كما أنَّ العقاب المتكرر تقل فعاليته، ويسهم في ظهور السلوك الانهزامي واللامبالاة، نتيجة العقاب على كل شيء وبدون سبب واضح ومقنع.
- التدليل الزائد للطفل: المبالغة في مكافأة الطفل يجعلها هدف في حد ذاتها، فيحرص عليها أكثر من حرصه على مشاعر السعادة بالنجاح والتفوق، مما يؤدي إلى الدلال الزائد وضعف الحافز الذاتي ونمو السلوك الانتهازي لدى الطفل، فلا يعمل شيء إلا بمقابل، لذا يجب أن تكون المكافأة مناسبة للموقف وغير متكررة بشكل مبالغ فيه حتى لا ينعكس أثرها التربوي.
- التسلط التربوي: استخدام العقاب بصورة مبالغة يتحول إلى تسلط على الطفل ويسبب مشكلات نفسية خطيرة مثل الخوف والعزلة والانطواء، كما يؤدي إلى ظهور السلوك العدواني لدى الطفل، كرد فعل للممارسات التسلطية عليه.
- ضعف تكافؤ العقاب أو الثواب مع السلوك: من الخطأ مكافأة الطفل بنفس المكافأة على سلوكين مختلفين، أحدهما يستحق مكافأة كبيرة والآخر يستحق مكافأة أقل، فلا بد من التمييز بين المكافآت أو العقوبات، فلكل سلوك سلبي عقوبة تتناسب معه، كما أن لكل سلوك إيجابي مكافأة يستحقها، ولا بد أيضاً من التوازن بين درجة العقوبة أو المكافأة والسلوك المستهدف، حتى لا تحدث نتائج سلبية، مثل الفتور والتجاهل أو الكذب للتهرب من العقوبة أو الحصول على المكافأة.
- تأخير الثواب أو العقاب: من الأخطاء التربوية تأخير المكافأة أو العقوبة عن السلوك المستهدف لفترة زمنية طويلة، مما يؤدي إلى ضعف الارتباط الشرطي، وعدم الاقتران بين المكافأة والسلوك الإيجابي أو بين العقوبة والسلوك السلبي، فيفقد الثواب أو العقاب تأثيره في تعزيز أو تعديل السلوك.
- استخدام العقاب دون الثواب أو العكس: لا يجوز معاقبة الطفل عند قيامه بتصرفات سيئة، وعدم مكافأته عند قيامه بتصرفات مقبولة، فكما يحاسب ويعاقب يجب أن يشكر ويكافأ، ليتحقق التوازن في شخصية الطفل، وينمو لديه مفهوم العدالة من خلال الممارسة العملية في الواقع.
خلاصة القول إن الثواب والعقاب من الأساليب التربوية التقليدية، وقد أثبتت كفاءتها وفعاليتها في تعزيز السلوك الإيجابي وتعديل السلوك السلبي في الماضي والحاضر وربما في المستقبل، لأنها تتناغم مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي حب الخير وكراهية الشر، ويبقى الدور الأكبر على الوالدين والمربين في حسن استخدامها وفق الضوابط والمحاذير التربوية.