
الصحبة وأثرها على إيمان الطفل وسلوكه
قل لي من تصاحب أقل لك من أنت..
لهذه الدرجة كان وسيبقى للصحبة الأثر الأكبر في تشكيل شخصية الإنسان، لهذا فإن من الضرورة بمكان أن ينظر المربي إلى أمر صحبة أبنائه بعين الاهتمام ويوليه من العناية الكثير؛ فمن أصحابهم من قد يسحبهم إلى طريق الخير والصلاح، ومنهم من قد يسحبهم إلى طريق الضلال ــ لا سمح الله.
فماذا على المربي أن يفعل؟
محتويات المقالة
الدعاء لهم
عندما ندرك أن الصحبة تُعدُ نوعًا من أنواع الرزق يجود بها الله على عباده بدرجات متفاوتة، وأن السعيد منهم من يكرمه الله بصحبة تعينه وتأخذ بيده للخير والصلاح، حينها نعرف أهمية السر الذي نحن عنه غافلون.. ألا وهو الدعاء.
فحين ندعو لهم بالصحة والهداية والنجاح وغيرها من مجالات الخير والفلاح، لا ننسى أن نسأل الله أن يرزقهم صحبة صالحة تعينهم على الخير ويأنسون بها.
فالعالم حتى بالنسبة للأطفال أصبح أكثر بشاعة، ونسب التنمّر والضياع الأخلاقي أصبحت مخيفةً. فاللهم ارزقهم من تأنس به قلوبهم ويعينهم ليكونوا منك أقرب وعلى تحقيق رسالتك أقدر.
انتقاء البيئة المناسبة
معنا أولاً؛ لأن الطفل لا يكون في سنيّه الأولى جاهزًا لتكوين صداقات خاصة به فيكون على المربي العبءَ الأكبر في الاختيار.. فنختار من العائلات التي عندها من الأطفال من نرغب لأبنائنا في التفاعل معهم وبناء علاقة جيدة معهم، فنجعل أبناءنا يعيشون تجربة الصداقة الأولى من اختيارات نرضاها نحن أولاً، ثم هي تكون مقياسًا لاختياراتهم المستقبلية.
فنحن، وأصحابنا، والبيئة التي يكون الطفل غارقا فيها ومتعرضًا لها بالشكل الأكبر في بداياته لها كل الأثر في اختياراته لاحقًا.
ثم مع مجموعات أخرى قريبة.. من خلال إشراكه بأنشطة خاصة كتسجيله في حلقة قرآنية قريبة.. أو في نادِ رياضيٍ في المنطقة.. أو في دورة تربوية.. وهكذا نمنحه البيئة الجيدة التي تساعده لتكوين ما يصلح من علاقات.. فبالتأكيد صحبة المسجد المُنتقاة ستتفوق بصلاحها على صحبة أولاد الحي العشوائية الذي قد يصلح البعض منها ويفسد الآخر. ولا ننسَ أن نقترب من هذه المجموعات بالقدر الذي يجعلنا قادرين على تقييم تلك الصحبة.. فنجعل لهم من وقتنا نصيبًا ونشاركهم بعض الأنشطة المحببة ونكون كمشرفين رفقاء عليهم فقط ما أمكن ذلك.
التوعية بأثرها سلبًا وإيجابًا..
في الغالب لا يعرف أبناؤنا من الصداقة غير الشخص الذي يشاركنا طعام الغداء في المدرسة ويلعب معنا كرة القدم أو يساعدنا في حل مشكلاتنا ربما، ويغفلون عن مدى تأثيره على شخصياتهم، فكان واجبًا على الأهل توضيح مدى التأثّر الشديد الذي قد يحصل بين الأصدقاء لدرجة كبيرة وبدون حتى أن يشعروا به.
الأمر الذي يلزم معه توضيح هذه النقطة عن طريق:
- القصص: فنحكي لهم قصصًا عن الصداقة والأصحاب ونسلّط الضوء على التأثير الذي قد يأتي من خلالها سواء كان خيرًا أم شرًا، وقد نختلق من خيالنا قصصًا تخدم هدفنا في توصيل هذه الرسالة.
 - الناس: والأمثلة في المجتمع كثيرة، ومهمتنا أن نلفت نظرهم إليها بطرق مختلفة ونجعلهم يلحظون كيف يتأثر الناس بأصدقائهم تارة بالسلب وتارة بالإيجاب، من مثل: هل لاحظت طريقة تقليد هذا الطفل لأصحابه في سلوكهم!!.. وهل انتبهت إلى أن ذاك يستخدم نفس الألفاظ الذي يستخدمها أقرانه رغم أن أهله لا يستخدمونها.!! 
مع التعقيب فورا على هدفنا بأن ينتبه إلى أثرها لا أن تكون مجرد إطلاق أحكام على الناس أو التقليل من شأنهم. - السيرة النبوية: ورسولنا عليه الصلاة والسلام رأى هذا التأثير وقوّته فنصحنا حين قال المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل1رواه أحمد وغيره..
فرسولنا الكريم الذي لا ينطق عن الهوى يعلم أننا لو كنا في بيئة فاسدة، فإن فسادنا نحن قد يكون مسألة وقت، وأن من احترام المرء لنفسه أن يبعدها عما يفسدها من أماكن أو أشخاص.. 
والذكي لا يضع نفسه مع ناس لا يرضى بأخلاقهم ويقول لا يهمني ما هم عليه فلست مثلهم، فالطفل الذي تربى في بيئة جيدة بمبادئ سليمة قد يجد نفسه في مرحلة ما ضمن مجموعة من الأصحاب ليسوا على نفس أخلاقه ومبادئه فيرى أن تصرفاتهم لا تهمه لأنه أدرى بنفسه فيغترّ بها ويقول: حتى لو كانوا يكذبون فأنا لا أكذب، مهما استخدموا من ألفاظ سيئة فلا يمكن أن أكون مثلهم، فينكرها عليهم في البداية، ومع الوقت تخف وطأتها على نفسه فلا هو يقبلها منهم ولا ينكرها عليهم، ومع ألفتها قد يقبلها ويعتاد عليها إلى درجة اتخاذها طبعا له من دون أن يشعر بالخطوات التي مر بها.. فمن حق نفسه عليه أن يمنعها من هذا الطريق من البداية ولا يرضى من الأصحاب من لا يوافق دينه وخُلقه، أما اختلاف الطباع والشخصيات فأمر مستحب جميل.
وكما أن الأصحاب قد يجروننا إلى ما لم نكن نرضاه لأنفسنا، فالعكس صحيح، وقد يكون صلاحنا على يديهم بعد هداية الله، فالطفل الذي يصلي ولكنه قد ينشغل عن صلاته أو ينساها أحيانا قد يرى في صديقه الذي يحافظ على صلاته قدوة له، فيشدّ أحدهما الآخر، أو إن رأى منه جدّا ومثابرة فيتشجّع هو الآخر ويكون حافزا له..
فللمربي بعد أن يوجّه ويبيّن أضرار وإيجابيات الأمر أن ينصح أبناءه بأن يتحرّوا في الاختيار من يقودهم إلى كل ما يرضيهم ويرضي الله عنهم ويبتعدوا عمّن قد يبعدهم عن رضى الله ولا يغترّوا بأنفسهم وعدم تأثّرهم.
أسس الاختيار.. ما الذي يجب توافره في الشخص الذي تحب أن يكون صديقك؟؟
نسألهم على فترات متباعدة ونرى أفكارهم وما يمكن أن نضيف عليها.
فبعد أن نكون قد بيّنا لهم أثر الصحبة نسمع منهم عن الأشياء التي يفضّلونها في الأصدقاء مع الأشياء التي من المفترض أنهم أصبحوا ينتبهون لها، وقد يقول الواحد منهم أنه يفضّل في صديقه أن يكون ماهرًا بلعبةٍ يحبها، أو تحب البنت في صديقتها أن تكون هادئة مثلا، ولا ضير في ذلك طالما ينتبهون معه إلى أن يكون الصديق مؤمنًا، صادقًا، نظيف القلب واللسان، ويُضاف إلى ذلك كل ما يتبع المرحلة العمرية التي هم فيها من معطيات وسلوكيات.
ومن الأهمية بمكان أن يعرف أبناؤنا أن أصدقاءهم – مثلهم – يخطئون، فلسنا وليسوا معصومين عن الخطأ، ومن الرحمة أن نصوّبهم إن أخطأوا ونمسك بأيديهم إلى الخير ولا نتركهم عند أول زلل، بل نكون معهم بالقدر الذي لا يجلب لأنفسنا ضررا.
كن صديقًا له.. فليكن لك في كل حين جلسة ودّية معه تسأل فيها عن أخباره من غير أحكام أو نصائح أو تعليقات سلبية (مهما تراءى لك وجوب تدخلك).. جلسات لطيفة كالتي تكون بين الأصدقاء.. نسأله فيها مَن أصدقاؤه، ومن هم المقربين منهم، ما الذي يعجبه فيهم، وما الذي يستمتعون بفعله معا وغيرها!!!!
قد لا يكون الطفل جاهزا للبوح من البداية، ولكنه مع الوقت، ومع استمرارية هذه اللقاءات واطمئنانه معها واستشعاره اهتمامنا الحقيقي بشؤونه سيصل إلى مرحلةٍ يشاركنا فيها.
والمشاركة هنا لوحدها تكفي – إلا إذا طلب هو المساعدة أو الاستشارة في أمر – فجلّ ما قد يريده المرء أذناً تصغي له، إن استماعنا ومعرفتنا لمشاكل صحبته وطبيعة علاقته يساعدنا في المساعدة بشكل غير مباشر لاحقًا باستخدام الطرق المذكورة أعلاها كالقصص والأمثلة غيرها..
متى أتدخل؟!
وكما أعلّم أبنائي أسس اختيار أصحابهم وبناء علاقات طيبة معهم فيجب عليه تعليمهم متى يبتعدون عن علاقات قد تؤذيهم.. فمتى أنصحهم بالابتعاد؟
- عندما أرى من أصحابهم تسلطًا عليهم وتحكمًا غير مبرر.
 - عندما أراهم يتعرضون للتنمر والاستهزاء.
 - عندما أعلم أن من أصحابهم من لا يرضي الله في تصرفاته.
 - عندما أرى في أبنائي تغيّرا سلبيًا سببه أصحابهم.
 
حينها وجب علي أن أقول: هذا لا يصلح صديقًا، وهذه ليست بالصداقة الحقيقية.
وأكون معهم في هذه الفترة وأتفهّم انفعالاتهم وأتعاطف معها، فليس من السهل للإنسان الانفصال عن صديقٍ مهما كان حاله.
احتواء الصداقة الحقيقية
والذي يقع على عاتقنا كأهل بعد الدعاء والتوجيه والإرشاد، أن نحتوي صداقاتهم الحقيقية، فإن نحن رأينا لهم صديقا نرتضي دينه وخلقه نساعد في تقوية هذه الصداقة ونتوسّع بها فننظم لقاءاتٍ لهم خارج أوقات الدراسة مثلاً، ونضمّ هذا الصديق لبعض الأنشطة العائلية ونفسح له مجالاً ولو بسيطا بيننا فيأنس الأصحاب ببعضهم، ويزيد التأثر ونسدُ من الثغرات ما نرى أنه يحتاج تدخلاً.2للاستزادة اقرأ..
السيرة النبوية (قصة الهجرة مع أبي بكر الصديق ــ ومؤاخاة النبي بين المهاجرين والأنصار).
منهاج تفكر مع أنوس ــ المستوى الثالث.
                                                

