
تعامل الطفل مع الممتلكات العامة والخاصة ـ ضوابط ومحاذير
من أسس التربية الصالحة تعويد الأطفال منذ سنوات عمرهم الأولى على احترام الممتلكات العامة والخاصة، وإعدادهم على حسن التعامل معها، والعناية بها، وأن يكونوا قدوات صالحة تتحمل مسؤوليتها تجاه وطنها وتجاه الأسرة، فتقدر قيمة الأشياء، وتحسن الالتزام بالقوانين والضوابط والإرشادات التي يوجهها المربي في الأسرة، أو يدعو لها القانون والأخلاق العامة في الوطن والمجتمع، وقد يعتقد بعض الناس ممن ينقصهم الوعي اللازم أن اللامبالاة والإهمال أو سوء استخدام الطفل لتلك الممتلكات وسوء تصرفه فيها أمر مقبول وطبيعي كونه طفل صغير، أو كون الممتلكات عامة، فيستبيح استخدامها بشكل سيئ.
ولعل بعض الآباء والأمهات يسرفون في تدليل أطفالهم في المنزل، ويتجاهلون سوء تصرف أبنائهم فلا يوجهونهم مهما أحدثوا من أذى أو فوضى، وفي هذا إساءة كبيرة للطفل ولتربيته، الأمر الذي يستمر معه عندما يكبر، وتكون له عواقب سيئة، ومن هذا المنطلق كان لابد من التركيز على بعض المحاذير والضوابط المهمة في التربية في هذا المجال:
محتويات المقالة
أولاً: محاذير تعامل الأطفال مع الممتلكات العامة أو الخاصة
- إعطاء الطفل الحرية بلا ضوابط: وهذه من إشكاليات التربية، فقد يعتقد بعض الآباء أن التربية الجيدة هي أن يفعل الطفل ما يشاء، دون أن يفكر في العواقب، مما يجعل الفوضى والتشويش والتخريب أمراً واقعاً، وكثيراً ما نشاهد في الأماكن العامة أو حتى في المنازل أطفالاً يقومون بالتخريب على مرأى ومسمع من آبائهم فلا نجد من يوجههم أو يردعهم، ومن مخاطر هذا الأمر أن ينشأ الطفل فوضوياً لا يتحمل المسؤولية، ولا يميز بين الخطأ والصواب، ومن هذا المنطلق لابد من تنشئة الطفل على الوعي العام بأضرار ومفاسد التخريب المتعمد.
- أن يرتكب الطفل الخطأ دون أن يبادر بالإصلاح والاعتذار: أو حتى إبداء الندم على أي تخريب يحدثه في الممتلكات العامة أو الخاصة، وهنا لابد من التنويه من أن وقوع الأخطاء أمر وارد، ولكن المهم تعويد الطفل على الاعتذار ومساعدته على إصلاح أي خطأ يرتكبه، وعلى سبيل المثال إن قام الطفل بالخربشة على الجدران فمن الجيد أن يعطى أدوات للتنظيف ليقوم بإصلاح ما أفسده، وهذا سيجعله يتحمل مسؤولية أفعاله لاحقاً.
- الحركة المفرطة وإزعاج الآخرين بالصراخ: خاصة في الأماكن العامة والمؤسسات الرسمية، فمن المهم تنبيه الطفل قبل زيارتها على أهمية التصرف بهدوء، والكلام بطبقة صوت هادئة، والتزام قواعد المكان.
- تجاهل القوانين واللوائح: وإن من المهم أن نلفت نظر الطفل إلى خصوصية كل مكان، ووجود مجموعة من القوانين واللوائح للتصرف الصائب فيه، فالتصرف في الحديقة العامة يختلف عن المستشفى، ويختلف كذلك عن المنزل، وبالتالي فإن وضع الطفل في الصورة العامة وتعريفه على التعليمات المطلوبة يسهل عليه الالتزام بها.
ثانياً: ضوابط التعامل مع الممتلكات العامة والخاصة
- التربية بالقدوة: فعندما يراقب الطفل تصرفات والديه في المنزل وخارجه، وكيف يتعاملون مع الأماكن والأشياء فإنه يبادر لتقليدهم، خاصة وأن الطفل في مراحل عمره الأولى يراقب والديه بدقة ويكتسب منهما أهم عاداته وسلوكياته، فالأطفال لا يولدون فوضويين أو غير مبالين أو مخربين، بل إن سوء التربية وانعدام التوجيه والقدوات السيئة هي ما تصنع منهم تلك الشخصيات المسيئة، وكذلك الأمر عند الأطفال الذين تربوا في بيئات سوية، فإننا نلحظ مدى حرصهم ومراعاتهم لحسن السلوك في أي مكان كانوا.
- إعطاء التعليمات المحددة والواضحة: يفاجأ الطفل في كثير من الأحيان أنه في أماكن يزورها ويتعرف إليها للمرة الأولى، من مساجد أو مدارس أو مستشفيات ومستوصفات أو حدائق عامة وغيرها من الأماكن العامة التي يمكن أن يصطحبه والداه إليها، فيجد نفسه يتصرف ويتحرك بشكل عشوائي وفضولي بهدف الاستكشاف، ويتسبب بحركته تلك بالإزعاج للناس في تلك الأماكن، كما أنه يشعر بأنه مقيّد ضمن أوامر الوالدين بأن يجلس ويلتزم الصمت والهدوء، وكثيراً ما يشعر بالضجر من الانتظار لوقت طويل، وعدم التمكن من الكلام أو الحركة، فتظهر منه تصرفات غير اعتيادية من بكاء أو صراخ أو محاولات للتخريب، وكلها تصرفات تنم عن عدم إدراك لما يتوجب عليه فعله، ومن الضروري أن يقوم الوالدان بخطوة استباقية، وذلك بإخباره عن المكان الذي يزوره، مع شرح وافٍ لما سيشاهده، وخلق تصور كامل في ذهنه لما سيقابل، وإعطائه تعليمات واضحة لكيفية تصرفه في تلك الحالات، دون تركه يواجه كل شيء وحده، وبهذا يختصر المربي نصف الطريق على الطفل، ويساعده على التقبل وحسن التصرف.
- التعزيز الإيجابي: من الجيد ترغيب الطفل والثناء عليه إن أحسن التصرف فهذا دافع له لتكرار السلوك الصائب، ففي الحديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : لَا يغْرِس مُسلِم غرْساً، وَلاَ يزْرعُ زرْعاً، فيأْكُل مِنْه إِنْسانٌ وَلا دابَّةٌ وَلاَ شَيْءٌ إلاَّ كَانَتْ لَه صَدَقَةً. رواه مسلم.
- تقبّل ردود فعل الطفل وانفعالاته في حال شعر بالضيق أو الملل، وإتاحة البدائل المقنعة مثل التجوال قليلًا خارج المبنى، وإخباره بهدوء أنك تتفهم ملله أو غضبه، ولعلنا نذكر هنا بضرورة وجود بعض الأدوات المساعدة على السلوك الجيد، كأن تضع الأم في حقيبتها بعض القصص الممتعة، أو بعض الأوراق والألوان مما يجعل استجابة الطفل إيجابية.
- المبادرة لإصلاح الأخطاء في حال ارتكابها، وتعليم الطفل أصول الشكر أو الاعتذار، فهذه التجارب من الخطأ والرجوع والاعتذار عنه تبني شخصية الطفل وتدفعه لأن يكون ناضجاً مهذباً قادراً على حل مشكلاته، واعياً بها.
- رفع مستوى انتمائه للممتلكات العامة من خلال إتاحة دمجه في أنشطة تساهم في رفع وعيه كالمشاركة في حملات تهتم بالنظافة أو غرس الأشجار أو نشر الوعي، ومن هذا المنطلق فإن الطفل سيدرك فيما يتعلق بالممتلكات العامة أن ما يحق له يحق لغيره أيضاً، فلا يستأثر بشيء لنفسه بل يدرك أن هذه الممتلكات وجدت لمساعدة الجميع، وبالتالي يجب أن نتعامل معها على هذا الأساس، وأما ما يتعلق بالممتلكات الخاصة فمن الجيد تذكيره أنها من نعم الله وهبنا إياها لنحافظ عليها ونحسن التعامل معها، ومن هذا المنطلق سيقدر قيمة الأشياء ويدرك أنها لنفع الناس وجعل حياتهم أفضل، قال الله : وَتَعَاوَنوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعدْوَانِ [المائدة:2].
وأخيرًا فإن بناء الوعي في نفس الطفل، وتعويده تحمل المسؤولية منذ الصغر، واكتساب المعرفة، والتعلم من التجارب والأخطاء، والدربة على إصلاحها يحتاج إلى أسلوب حكيم وفن في التعامل، وتبيان للأهداف والغايات من ذلك كله، وإن المربي الواعي يستطيع أن ينوع في أساليبه، وأن يتحين الفرص دائماً ليغرس قيمة، وهو بذلك يخطو خطوات مهمة في تأسيس جيل مؤمن صاحب رسالة.
المراجع:
1 – الممتلكات العامة.. ثروة مهدورة بأيدي العابثين، أشجان المقطري.
2- دور الأسرة في التربية المدنية للأبناء وعلاقتها بتحمل المسؤولية الاجتماعية لديهم، د. جمال السناد.
3- كيف نوقف أعمال العبث والتخريب في المرافق العامة؟، غالية الذخرية.