
دور الوالدين في إدارة العلاقات بين الإخوة
الأطفال.. أمانة الله بين أيدينا في هذه الدنيا، أهدانا الله إياهم ووكلنا زمام أمورهم، وجعل لنا الوصاية عليهم، وأمرنا بالإحسان إليهم وتأديبهم وتنشئتهم على الخير والإحسان والفضيلة والأخلاق الحسنة، فكل ما يخصهم في دينهم ودنياهم هو مسؤولية الآباء أولاً وآخرًا، مكلفون بذلك ومحاسبون عليه.
ولعل من أبرز الجوانب التي تندرج تحت مسؤولية الوالدين تجاه أبنائهم هي إدارة وتنظيم علاقاتهم مع بعضهم البعض، وإن السعي لنجاح وسلامة هذه العلاقة يبدأ من نعومة الأظافر، كغرس الإحسان والاحترام في نفوسهم، وغرس المحبة والرحمة في قلوبهم، ودفعهم لتقديم المساعدة لبعضهم البعض، وكذلك تقديم الدعم النفسي والجسدي والعلمي لمن يحتاجه منهم، وبهذا تنشأ العلاقة السليمة بين الإخوة والتي تكون نتاج جهد مستمر من الأبوين، ويختلف هذا الجهد باختلاف فئاتهم العمرية وسماتهم الشخصية وحالاتهم النفسية.
وهنا لابد للآباء من الاطلاع على الأساليب والوسائل التي تساعدهم على ذلك، كالقراءة والبحث والاطلاع واستشارة المستشارين الأسريّين إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
محتويات المقالة
أهمية سلامة العلاقات بين الإخوة
إن الأسرة كما نعلم هي الخلية الأولى للمجتمع وسلامتها ونجاح العلاقات بين أفرادها تعني سلامة المجتمع والعكس صحيح، ومن أبرز مميزات الأسرة الناجحة هي سلامة العلاقة بين الإخوة، وإن هدوء الأسرة وسلامة العلاقات القائمة بين أفرادها ينعكس إيجاباً على الأبناء وصحتهم النفسية والجسدية وتحصيلهم العلمي وإنجازاتهم في شتى المجالات، وإن العلاقة السليمة تُقوّي صلتهم ببعضهم البعض، فيتراحمون ويتعاضدون فيما بينهم، ويأخذون بأيدي بعضهم البعض إلى الخير والفلاح والنجاة في الدين والدنيا، ويجنون بذلك فلاحاً كثيرًا وخيًرا وفيرًا، وإنه لأمر على قدر عال من الأهمية حقًا، حيث إنه كثيرًا ما يؤدي توتر العلاقات بين الإخوة وهم صغار تحت سقف واحد إلى تدهور هذه العلاقة في كبرهم، ويمتدّ هذا الخلاف والتوتر إلى أزواجهم وأبنائهم، كما قد يؤدي إلى قطع الرحم، فلا بد من تمكن الآباء من قيادة دفة السفينة، وأخذ زمام المبادرة في المحافظة على سلامة العلاقة بين أبنائهم منذ نعومة أظفارهم، والحد من المشكلات ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها في ضوء الإرشادات الدينية والتربوية.
إليكم أهم الخطوات العملية التي تساعد الآباء على إدارة العلاقات بين أبنائهم:
الخطوات العملية للحفاظ على سلامة العلاقة بين الإخوة
- العدل بين الأبناء وعدم التمييز بينهم في المعاملة والرفق والمديح والثناء والثواب والعقاب، وبالأخص بين الذكور والإناث، فإن عكس ذلك يخلق شرارة حقد وكره في نفوسهم تشتعل عند أول خلاف فيما بينهم وتولد عندهم ردة فعل عنيفة مؤذية في كثير من الأحيان، وقد حث النبي في كثير من الأحاديث على وجوب العدل بين الأبناء ومن ذلك قوله : سووا بين أولادكم في العطية1أخرجه الطبراني..
- اطلاع الأبناء على أهمية العلاقة فيما بينهم، وأنها من أسمى العلاقات القائمة بين البشر، وأن الإخوة يتشاطرون الأم والأب والمكان والزمان والذكريات ذاتها، وهذا ما يجعل لهم مكانة خاصة لا تكون لغيرهم، وتذكيرهم بأن الأخ نعمة من الله تعالى، وأن سيدنا موسى عليه السلام استعان بأخيه هارون عند شعوره بالخوف من دعوة فرعون إلى الإيمان، والاستعانة بالكثير من قصص السلف عن مكانة الأخ وقيمة هذه العلاقة السامية.
- الطلب المباشر من الإخوة الاهتمام ببعضهم وتحميلهم مسؤوليات وهموم بعضهم البعض وتقديم العون لمن يحتاجه، فيقدم الأخ الدواء لأخيه المريض ويعد له الطعام الذي يحبه، ويعطف الكبير على الصغير، ويراعى الصغير لصغر سنه، ويساعد من هو في مرحلة دراسية متقدمة، من هو أصغر منه سنًا، ويقدم له النصح والإرشاد وتقدم الهدايا التحفيزية لمن يقدم العون الأكبر، والدعم الأكثر من الأبناء، ويثني عليه لمسؤوليته وحسن خلقه.
- الحفاظ على وحدة العائلة بأي وسيلة مناسبة؛ كجلسة عائلية يومية بإدارة أحد الأبوين بطريقة عفوية كالاجتماع على الطعام مثلاً، يحكي فيها الأبناء تفاصيل يومهم مع مراعاة اختلاف الفئات العمرية والإنصات لهم ومشاركة الجميع أفراح بعضهم ونجاحاتهم وتقاسمهم الهموم والأحزان والبحث عن الحلول للمشكلات التي تواجههم، فإن ذلك يُقوّي أواصر الإخوة فيما بينهم ويشعرهم بالقوة والبهجة والدفء والأمان.
- تجنب المقارنة بين الأبناء سواء كانت هذه المقارنة بقصد بث روح الحماس فيما بينهم أو عن غير قصد، فإن ذلك يشعل نار الحقد والغيرة والحسد في قلوبهم .
- الحديث عن الأبناء في غيابهم بإيجابية و إخبار كل واحد منهم على حدة بأن أخاه يحبه وهو ممتن لوجوده، ويسعى إلى إسعاده ويحزن لحزنه ويفرح لفرحه وإغراقهم بالدعوات على مسامعهم بأن يؤلف الله بين قلوبهم وأن يجمعهم على الخير في الدنيا والآخرة .
معوقات تواجه الآباء في إدارة العلاقة بين الإخوة والحلول المناسبة لها
الفروق الفردية بين الأبناء
وهو أمر طبيعي فلكل طفل طباعه وسماته الخاصة، والتي تميزه عن غيره، ولكن قد تؤدي هذه الفروقات بين الأبناء إلى خلق مشكلات مختلفة إن لم يستغلها الآباء بالطريقة الصحيحة كأن يتسم أحد الأبناء بالعناد والقوة والتسلط، ويتسم أحدهم بالضعف والخجل والتردد مما يؤدي إلى سيطرة الأول وضياع حقوق الآخر، وهذا بدوره يؤدي إلى خلق الكثير من المشكلات بين الأبناء وتوتر العلاقة بين الإخوة.
أو الفروق الفردية التي تؤدي إلى نيل أحد الأبناء إعجاب المحيطين به ( وبالأخص الجد والجدة والمحيط القريب منه) دونما إخوانه، كأن يمتلك شكلاً جميلاً أو حسًا فكاهيًا أو حضورًا اجتماعيًا مميزًا مما يجعله محط أنظار وإعجاب ومحبة الجميع، ويكون بمقابله ابن آخر لا يمتلك شكلًا جميلًا بمعايير المجتمع الذي يعيش فيه، أو لا يمتلك طلاقة اجتماعية أو حسًا دعابيًا يمكنه من أن يحظى بالقبول الاجتماعي مما يولد الغيرة بين الأبناء ويؤدي إلى خلق العديد من المشكلات في علاقتهم.
والحلول المقترحة لذلك:
عمل الآباء على سمات القوة والتسلط وصقلها وتوجيه طاقتها نحو الخير والإحسان والدفاع عن الحق بالحق والبحث عن الأسباب والدوافع الدفينة التي أدت إلى خلق هذه السمات وإيجاد الحلول المناسبة لها والعمل على سمات الضعف بتقويتها والبحث عن أسبابها ودوافعها وإيجاد الحلول لها.
وكذلك توعية الأبناء (مع مراعاة اختلاف فئاتهم العمرية) أن الإنسان من صنع الله الجميل الذي خلقه في أحسن تقويم وأن وجود مميزات في الشكل عند بعض الأفراد هي مميزات شكلية لا ترفع من قدر إنسان ولا تحط من قدر آخر، وأن أجمل الناس أنفعهم للناس وأحسنهم أخلاقًا وأكثرهم علمًا وتواضعًا، والسعي لتنمية المهارات العقلية والجسدية عند الأبناء والتي تجعلهم على قدر عال من الثقة بأنفسهم وعدم السماح للمحيطين بالطفل التمييز بين الإخوة والجزم في ذلك جزمًا قاطعًا لأن هذا التمييز يورث مخلفات نفسية سيئة عند الأبناء ويؤثر سلبًا على علاقتهم.
وجود إخوة وأخوات من أمهات متعددة
فقد يؤدي ذلك إلى خلق جو من التوتر بين الإخوة ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب كأن يتم التمييز بين الأبناء وعدم العدل بينهم والمحاباة من الأب إلى أبناء الزوجة المفضلة عنده، وربما ينقم الأبناء من الزوجة الأولى على إخوتهم من الزوجة الثانية انتقامًا لأمهم، وربما تسعى إحدى الزوجات إلى تمييز أبنائها وحصولهم على دعم واهتمام والدهم والمحيطين بهم بطريقة تؤذي الأبناء من الزوجة الأخرى، مما ينحدر بمستوى العلاقة بين الإخوة ويخلق جوًا من المشاحنة والبغضاء بين الإخوة.
والحل المناسب:
الوعي الكامل من جميع الأطراف (الأب والزوجات) بضرورة إقصاء الأبناء خارج دائرة الصراع والسعي لزرع المحبة والاحترام فيما بينهم، فتعدد الأمهات لا ينبغي أن يؤدي إلى تفريق الأبناء، فوجود عدد أكبر من الإخوة يجعلهم في تميز وقوة ومنعة وغمرة من البهجة والسعادة، فهم من أب واحد يجمعهم وإن تعددت الأرحام، وإبراز هذا المعنى للأبناء يساهم في الألفة بينهم وحل جميع الخلافات بطريقة حضارية واعية في ضوء التعاليم الشرعية والتربوية.
الخاتمة: إن سلامة العلاقات بين الإخوة من أجمل ما تتميز به البيوت المسلمة، وكذلك فإن هذا السلام يمتد إلى الأبناء والأحفاد وأبنائهم، فهو أمر مهم ومحوري في تربية الأبناء، وللآباء دور مباشر في ذلك، فهم الذين يُديرون هذه المؤسسة الصغيرة، وهم معنيون بالحفاظ على سلامة العلاقة بين أفرادها، وعليهم بذل كل جهودهم واتباع كل الطرق والوسائل التي تضمن سلامة هذه العلاقة، وصحة مسارها، كالحب غير المشروط لجميع الأبناء والعدل بينهم وفرض الاحترام المتبادل والوعي المعرفي واكتساب الخبرات التربوية الضرورية وتطبيق الهدي النبوي في حل الخلافات فيما بينهم، فيجنون بذلك خيرًا وبركة و وفضلًا وأجرًا عظيمًا، ويعكس ذلك على المجتمع المسلم بأسره فيعم الخير والفلاح في الدين والدنيا.