عادات تضر بصحة الأطفال  copy
الأربعاء 2 ربيع الثاني 1447هـ by ajjaj

عادات تضر بصحة الأطفال

فإن الاهتمام بالأطفال فلذات الأكباد وصُنَاع المستقبل فطرة فُطر عليها الإنسان والحيوان، وغريزة الأمومة من أقوى الغرائز على الاطلاق، والتربية السليمة السوية تشمل جميع جوانب حياة الطفل ومن ذلك صحته وسلامته. وتقع هذه المسؤولية على الجميع لاسيما أولياء الأمور؛ لأن الطفل عاجز عن القيام بشؤون نفسه واتخاذ قراره السليم، ولا يزال عقله وجسده في طور النمو؛ ويحتاج إلى من يقوم عليه ويعوده العادات الصحية السليمة. وكما قيل:

وينشأ ناشئ الأطفال فينا على ما كان عوده أبوه 

ومن المؤسف انتشار بعض العادات السيئة المضرة بصحة أطفالنا ومستقبلهم مثل: سهر الليل ونوم النهار، وسوء التغذية، وإدمان المأكولات المضرة، وإدمان التكنولوجيا الحديثة كألعاب الجوال والنت وقضاء الوقت في مشاهدة الشاشات، وإهمال التعليم والنظافة والرياضة والابتعاد عن الطبيعة الجميلة؛ نعم من المؤسف أن نرى أبناءنا يغوصون في العادات السيئة التي ضرت بهويتهم وفكرهم وأخلاقهم، ووصل شرها إلى صحتهم البدنية والنفسية؛ لينتج لنا جيلا ضعيفا!

وللأسف أن بعض الآباء يمارسون تلك العادات السيئة ويطبعون أولادهم عليها!

إن كثيرا من الأمراض المنتشرة اليوم بسبب تلك العادات السيئة التي انتشرت وصارت ثقافة تمارس بدون وعي!

وفي هذه المقالة سنشير إلى بعض العادات السيئة المتعلقة بصحة أطفالنا واستبدالها بالعادات الصحية السليمة. ونقصد بالعادات الصحية السليمة هنا تلك الممارسات التي تمارس بشكل دوري وتعزز من صحة الطفل الجسدية والنفسية والعقلية. وهذا مقصد شرعي جاء به الإسلام القائم على درء المفسدة وجلب المصلحة.

والمتأمل في أحكام الشرع يجد أنها جاءت لإصلاح الإنسان جسدًا وروحًا؛ فالصلاة والصوم والحج ومُعظَم العبادات والأحكام الشرعية لا تقتصر على كونها عبادة لله فقط بل يعود نفعها على البدن بوقايته من الأمراض أو شفائه منها، وفي كتب الحديث النبوي أقسام خاصة بالطب؛ وما زال العلم الحديث يكتشف معالجات طبية وممارسات صحية؛ ذات أصل إسلامي وإرشاد نبوي؛ فديننا دين الفطرة السليمة؛ قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]؛ وقال النبي : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .

والخير والشر عادة؛ ولابد من تعويد الطفل على الآداب والعادات التي تعزز من صحته وسلامته. وسنذكر هنا أبرز العادات السيئة المضرة التي غزت مجتمعنا وأطفالنا، والتي يجب الانتباه لمخاطرها والعمل على تجنبها.

العادة الأولى: (سهر الليل ونوم النهار).

وهذه العادة مخالفة للسنة الكونية التي سخرها الله لمصلحة العباد؛ فجعل الليل لباسا أي للنوم والراحة؛ وجعل النهار معاشا أي للكسب والعمل، وجسم الإنسان متناغم مع هذه السنة الربانية؛ وهناك خلايا وهرمونات وغُدد تنشط في النهار وإشراقه؛ وترتاح في الليل وظلامه، وسهر الليل ونوم النهار يسبب اضطرابا في تلك الهرمونات ويُضعف المناعة ويتسبب في أمراض نفسية وبدنية. بعكس الاستيقاظ في الصباح الباكر المملوء بإنزيمات هوائية صحية تُكسب الجسم نشاطا وصحة؛ وقد ورد في الهدي النبوي الحث على البكور وكراهية السهر بعد العشاء.

إن من الأخطاء التربوية تعويد الأطفال على سهر الليل ونوم النهار وهذا خلاف فطرة الطفل وفطرة الكون وسبب لمحق الوقت والبركة وللفشل والمرض.

ولعلاج هذه العادة يجب على أولياء الأمور الحرص في أنفسهم وفي أولادهم على تحديد مواعيد النوم مبكرا والاستيقاظ مبكرا، واستثمار وقت النهار بالأعمال المتنوعة، ومحاربة النوم فيه إلا من القيلولة وهي هجعة خفيفة قُبيل الظهر أو بعده يسترد فيها الجسم نشاطه، فإذا صلى العبد العشاء فليعلم أن أهم أعماله النوم مبكرا ليأخذ الجسم نصيبه من السكون والراحة، فنوم الليل صحي ولا يقوم مقامه نوم النهار. وفي الحديث الصحيح: فإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا أي بالنوم والراحة.

العادة الثانية: إدمان الأطعمة والأشربة الضارة

لقد حرم الله علينا بعض المأكولات كالميتة؛ وعلة التحريم الضرر؛ ونحن اليوم وللأسف نعاني من أطعمة وأشربة مُضرة انتشرت وغزت واقعنا واشتدت ضراوتها على أطفالنا، وهي رخيصة الثمن وذات ألوان وأشكال ودعايات جذابة ظهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.

لقد صار أطفالنا مدمنين على الحلويات والبسكويت والعصائر والمقرمشات الصناعية والمعلبات الصناعية والمشروبات الغازية وصارت الأسر بشكل عام تعتمد في غذائها على الدقيق الأبيض والدهون الصناعية الضارة وتكثر من السكريات المصنعة، وصار معظم غذائنا مشبعًا بمواد حافظة وبصبغات كيميائية وبدهون مضرة وسكريات معقدة يعسر على الجسم التعامل معها، والتخلص منها؛ والتي هي بمثابة السموم والمرتع الخصب للسرطانات واضراب الهرمونات مما أدى إلى أمراض خطيرة عصرية.

ومن رجع الى كلام الأطباء وجد أن هذه حقيقة لم تعد غائبة ولكن للأسف مازال كثير من الناس يجهل ذلك أو يتغافل عنه؛ كما هو الحال في شرب الدخان (السجائر) التي دون عليها تحذير صحي شديد اللهجة ومع هذا فإن المدمنين عليها كثر! وقد انتشرت في الآونة الأخيرة إدمان التدخين بأنواعه ونكهاته المضرة والكحوليات والمخدرات المتنوعة؛ بسبب الرفقة والبيئة السيئة، وضعف الوعي الصحي والديني. وهاكم بعض طرق العلاج:

  • متابعة البرامج الصحية الغذائية وسؤال الأطباء الناصحين، ومجاهدة النفس نحو التطبيق والالتزام، بحيث يصبح النظام الغذائي الصحي من عاداتنا المحبوبة. وهناك قنوات وبرامج وفيديوهات كثيرة تستحق المتابعة من الآباء والأبناء حتى تتولد القناعة الكاملة؛ ونستطيع تغيير نظامنا الغذائي بحسب ذلك. وكما قيل: (دوائك في غذائك) و(العقل السليم في الجسم السليم) و(المعدة بيت الداء).
  • جلب النظام الغذائي الصحي المتنوع للمنزل وبيان فوائد المأكولات المفيدة النافعة وعمل (شورى) في الوجبات الغذائية اليومية، والاقتصاد الحكيم حتى لا يزهد الطفل في الطعام المتوفر.
  • إعطاء الأطفال المال بقدر حاجتهم لا رغباتهم ومتابعة نفقاتهم ومشترياتهم وترشيدهم في شراء النافع وترك الضار؛ وتقليص النفقة حين يصرفها في المضار وتشجيعه أكثر عندما يصرفها في النافع المفيد.
  • غرس حب الأشياء الطبيعية التي خلقها الله لنفعنا، وبيان منافعها وكيفية الاستفادة منها؛ ومن ذلك تربية الحيوانات الداجنة؛ وزراعة الخضروات والفواكه، والسباحة، والمشي. وتعويد أطفالنا على الانتفاع بالطبيعة الجميلة.
  • الالتزام بالإرشادات الصحية والنبوية بحيث تصير عادة لنا ولأطفالنا؛ كتعليمهم الأذكار اليومية وآداب قضاء الحاجة والطهارة وغسل اليدين وتغطية الأواني واستخدام اليد اليمنى للأكل واليد اليسرى لإزالة القذر، والشرب جالسا؛ وعدم التنفس أو النفخ داخل الإناء؛ والشرب على ثلاث جرعات.
  • استبدال الأشياء الضارة والمشبوهة بأشياء نافعة من خلال إشاعة الثقافة الصحية السليمة؛ ومن ذلك الإكثار من المشروبات النافعة كشرب الماء والمشروبات الطبيعية الدافئة؛ لاسيما في الصباح الباكر؛ واستبدال المشروبات الغازية بالعصائر الطبيعية والزنجبيل والشاي الأخضر، وتنظيم الوجبات والأكل عند الجوع والاعتدال في أكل الطعام مع الاهتمام بجودته وتنوعه، واستبدال الزيوت الصناعية عند الطبخ بالماء أو بالزيوت الطبيعية كزيت الزيتون والسمسم؛ وشرب زيت الزيتون على الريق، وأكل سبع تمرات على الريق، واستبدال المقرمشات الصناعية بالمكسرات الطبيعية، واستبدال الحلويات بالعسل والتمر والزبيب والفواكه الطازجة، وكثرة المشي وممارسة الرياضة، والألعاب التي تنمي الذكاء كتركيب المكعبات وتشكيلها أو معرفة أسماء البلدان والحيوانات والنباتات، والمشي حافيا أحيانا على الرمال والأرض وهي دافئة، والتعرض للشمس الدافئة والتهوية الجيدة.. وبالعودة إلى الطبيعة الجميلة رويدا رويدا سنتعود وسنحب ذلك وسنكون أكثر سعادة وصحة.

العادة الثالثة: الإفراط في الجلوس أمام الشاشات

إننا نعيش ثورة تكنولوجية حتى صارت الشاشات والقنوات والجوالات يمتلكها الكبير والصغير والغني والفقير، وصارت بعض الألعاب الإلكترونية أشبه بالإدمان!

إننا لسنا ضد التكنولوجيا الحديثة ولكنا مع ترشيدها وحسن استثمارها؛ حتى لا تصبح سببا لهلاكنا، وقد وقع الكثير من الكبار والصغار ضحية هذه التكنولوجيا؛ فهي سلاح ذو حدين. والطفل لا يدرك مصلحته ويلهث وراء متعته. ولذا من الجيد التنويه إلى بعض المضار التي تعود على الأطفال جراء الإفراط في استخدام التكنولوجيا:

  • العزلة الاجتماعية: الطفل يحتاج الى من يتفاعل معه ويحاكيه ويراعيه، وهذا لا يحصل مع كثرة استخدام الشاشات الإلكترونية والأجهزة الذكية، ومع الوقت يصبح الطفل ضعيف التفاعل مع مجتمعه. وعلاج ذلك ألا يترك الطفل حبيسا للتكنولوجيا الحديثة؛ بل لابد من أن يحاكيه أبوه وأمه ويتفاعلان معه ويتفاعل معهما ومع إخوانه ومن حوله. وللأسف أننا نرى كثيرا من الأطفال والشباب ممن أدمن الجوال واللعب فيه صار كالمتوحد ضعيف التفاعل بمن حوله منهمكا بجواله فحسب!

ولهذا ينبغي التقليل والترشيد في استخدام الجوالات والتفاعل مع المجتمع ومناسباته، وإعمار الوقت بكل خير ونافع، وإعطاء كل مقام حقه وواجباته.

  • التفكير الخاطئ والممارسات المسيئة التي قد تصل إلى الانتحار: إن المشاهد العنيفة والخرافية والمسيئة تشوش الذهن وتصنع إنسانا غير سوي وطفلا شاذًا؛ فالطفل صفحة بيضاء وبصري يتأثر بالمشاهدة ويحاكيها؛ فإياك أن تتركه فريسة للشاشات والجوالات والقنوات؛ لتتخلص من مسؤولية التربية وعنائها؛ وكن أنت الموجه والمربي مستعيناً بتلك التكنولوجيا على حسن التربية وإصلاح طفلك. واعلم أن كثيرا من المشاهد والمسلسلات والبرامج والألعاب كالعسل الذي دُس فيه السم؛ وبعضها لا يتناسب مع المرحلة العمرية للأطفال ويزيدهم طيشا؛ وبعضها يُسبب قلقا واضطرابا نفسيا وعاطفيا؛ وبعضها تجعل الطفل يرتكب ممارسات وسلوكيات خاطئة وعنيفة وصلت ببعضهم الى الانتحار والقتل! وعلاج ذلك ضبط هذه التكنولوجيا وتوجيهها بما ينفع أولادنا صحيا ونفسيا وأخلاقيا وعلميا. ومتابعة أولادنا وتوجيههم التوجيه الصحيح وشغلهم بما ينفعهم من البرامج العلمية والعملية التي تزيد من قدراتهم.

أمراض تصيب الرقبة والعمود الفقري والبصر وبعض الحواس: بسبب إدمان هذه الأجهزة وقضاء ساعات طويلة معها؛ تظهر أضرارًا صحية في الرقبة والعمود الفقري والعين والأذن واليد؛ حتى ظهر مصطلح طبي بمرض (رقبة الرسائل) بسبب انحناء الرأس وضغطه على الرقبة حين مطالعة رسائل الجوال. وقد يتفاجأ الوالدان أن ابنهم الصغير صار ضعيف البصر بسبب مطالعته في الشاشات الإلكترونية! وعلاج ذلك شغل الأولاد بأشياء غير الجوالات والشاشات وتنظيم وقت الطفل وترشيده في التعامل مع هذه التكنولوجيا كالجلوس الصحيح وتغيير وضعية الجلوس والنظر في غير الشاشة بين الفينة والأخرى والاقتصاد في المكالمات، والاقتصار على المهم والمفيد وعدم قضاء وقت طويل مع هذه الأجهزة الإلكترونية. وشغل الأطفال بأشياء نافعة لا تعتمد على هذه الشاشات كممارسة الرياضة والخط والقراءة والألعاب المفيدة.