كيف نحمي أطفالنا من غزو الثقافة الغربية؟ copy
الأحد 17 شعبان 1446هـ by ajjaj

كيف نحمي أطفالنا من غزو الثقافة الغربية؟

في ظلّ هذا التدفق الكبير للمعلومات، والانتشار الواسع لكلّ ما يقدّمه الغرب في جميع المجالات، وبخاصة في مجال الثقافة والتربية، مع عدم وجود سدٍّ منيع من قبل المربّين في البلاد الإسلامية، تأتي ضرورة البحث عن خطواتٍ عملية لحماية أبنائنا من هذا الغزو الفكري والثقافي الغربي.

وبناءً على أهمية الحفاظ على هويتنا الإسلامية وتعزيز وجودها في وسط أجيالنا القادمة، كان لا بدّ من الحديث عن تعزيز حماية أبنائنا من هذه الثقافة القادمة إلينا من الغرب.

وسنتناول في هذا المقال مجموعة من الأسس التي يمكن الاعتماد عليها مشفوعة بخطوات عملية تساعد المربّين على القيام بهذه المهمة.

أولاً: ما المقصود بالثقافة؟

يمكننا القول بأن الثقافة هي ذلك التمازج بين الفكر والعقيدة والقيم، إضافة للعلوم والمعارف والفنون التي علينا التّمسك بها والحفاظ عليها، لأنّه كما قيل “الشعوب التي تحافظ على ثقافتها لا تموت”.

وهذا ما عرَفه الغرب فحاول تهديم هذه القلعة الصامدة، فبدأ بممارسة غزوه الفكري والذي يمكن أن نعرفه بأنه: تلك العملية المنظّمة والتأثير المدروس الذي يمارسه الغرب عن طريق الإعلام، والأدب والفنون والموسيقى والتكنولوجيا واللباس، من أجل سلخ أسس العقيدة والتهوين من ثوابت الأمة وقيمها.

ثانياً: مجالات الغزو الفكري

لا يقتصر غزو الثقافة الغربية لأمتنا على جانب واحد، بل شمل أغلب جوانب الحياة التي تحيط بأبنائنا، ومن أهمها:

تأثير الغزو الفكري الغربي على العقيدة:

وذلك عن طريق نشر الأفكار التي تنافي العقيدة الإسلامية أو الشبهات التي تشوهها، وتزعزع قناعات النشء بها، كتلك الجهود التي تسوق للإلحاد تحت أردية التفكير والموضوعية، وتلك الجهود التي تشكك تحريف اليهودية والنصرانية وتطعن في تفرد الإسلام بكونه سبيلا للنجاة يوم الدين، تحت أغطية اتحاد الدعوات السماوية وتسويق ما سمي بالديانة الإبراهيمية.

خطوات لحماية عقيدة الأطفال:

  • تعليم الأطفال العقيدة الصحيحة؛ ويكون ذلك منذ اللحظات الأولى من حياتهم، قال ربنا في وصية لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
  • ربط الأبناء بأسماء الله الحسنى، كالعليم والحكيم، وشرحها بما يتناسب مع مستواهم العقلي.
  • شرح قدرة الله تعالى وعظمته من خلال ربط ذلك بما حولهم، أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17]، وإخبارهم بقدرته تعالى.

تأثير الغزو الفكري الغربي على القيم:

حيث يقوم إعلام الغرب ومؤسساته بنقل قيم وسلوكيات تتعارض مع قيمنا الإسلامية، وهو ما يجعل الجيل الناشئ مرتبطاً بثقافة غير ثقافته، الأمر الذي ينعكس على المجتمع بأثر سلبي، فأصبحنا نرى أعيادًا مثل “الهالويين” وغيرها تنتشر بين أبنائنا، حيث يُصدّر الإعلام الغربي أنّ من يقوم بمثل تلك السلوكيات هو إنسان حرّ ومتقدّم وحضاري، وللأسف تحت ناظر مجتمعاتنا دون أيّ توعية بخطورة ذلك أو استنكار فاعل من مؤسسات التوجيه وكثير من الأسر والمربين.

خطوات لمواجهة الإعلام الغربي في مجال القيم:

  • على الآباء والأمهات بشكل خاص، والمؤسسات التربوية بشكل عام تقييم المحتوى الإعلامي الموجّه للأبناء، مثل البرامج التلفزيونية والألعاب الإلكترونية.
  • يمكن الاستعانة بمتخصصين في تقييم هذه المواد التي يعرضها الإعلام الغربي على أبنائنا لمعرفة مدى مناسبتها وتوافقها مع قيمنا الإسلامية أم لا.

تأثير الغزو الفكري الغربي على سلوك الأبناء:

أثرت الثقافة الغربية بصورة جلية على سلوك أبنائنا، حتى اختلفت تصرفاتهم وتباينت أساليب حياتهم بناء على ما يشاهدونه من برامج هدامة موجّهة لفئتهم، ومن بين تلك الجوانب، فقدانهم لاحترام كيان الأسرة ومركزية دور الأبوين في الرعاية والتوجيه تحت دواعي الحرية، لأنّ الثقافة السائدة في الغرب هي استقلال الأبناء بمجرد وصولهم لسن الثامنة عشرة، وهذا ما يشجّعهم على البعد عن أسرهم، بعدًا يجعلهم عرضة لكثير من السلوكيات السلبية.

خطوات لمواجهة تسلل السلوك الغربي لأبنائنا:

  • تعزيز الحوار الأسري، وبخاصة بين الأولاد والوالدين، والاستماع لأسئلته وأفكارهم والإجابة عليها بما يتناسب مع مستواهم العقلي وخبراتهم الحياتية، مع التركيز في ثنايا الحوار على الإقناع لا الفرض والإقصاء.
  • الاهتمام بجانب الأنشطة التربوية: من خلال قيام الأسرة بربط أبنائها بالمساجد ومراكز تحفيظ القرآن، وغيرها من الأنشطة التربوية والثقافية النافعة.
  • تعزيز انتماء الأولاد لأمتهم واعتزازهم بدينهم من خلال توسيع دائرة ثقافتهم الإسلامية، وربط ذلك بقصص الصحابة وسير العظماء.

دور الغزو الفكري الغربي في انتشار الثقافة المادية في أوساط الناشئة:

من الملحوظ لدى كثير من أولاد المسلمين اليوم طغيان الثقافة المادية، والتي هي أثر من آثار الغزو الثقافي والفكري الغربي، حيث أثّر ذلك على اهتماماتهم وعلى أنماط الشراء والاستهلاك لديهم، حتى صار همُّ كثير منهم هو اللهث وراء آخر إصدارات الهواتف المتحركة، والألواح الذكية، وصرخات الألبسة والأحذية رغم امتلاكهم لما يغنيهم منها، حتى صار جانب التفاخر بينهم ليس في إتيان فضيلة ولا في تحصيل معرفة ولا في صناعة ابتكار ينفع البشرية بل بناء على ما يرتديه من لباس أو يحمله من هاتف ذكي أو سماعة لاسلكية أو ساعة ذكية.

خطوات لمواجهة تغول الثقافة المادية الغربية في أوساط الناشئة:

  • تعزيز الوعي لدى الأطفال بحيث تتغير نظرتهم إلى ثقافة الاستهلاك، حتى يتم تحويلهم لأفراد واعين ومنتجين.
  • تعليم الأطفال ثقافة الاقتصاد، والتفريق بين الأساسيات والحاجيات والكماليات.
  • ربطهم بقيم الإسلام السامية، المبنية على قوة الشخصية والارتباط بالتقى والفضيلة وعدم تقليد الآخرين، إذ المسلم هو القدوة لغيره، وليس العكس.

دور الغزو الفكري الغربي في الإخلال بالبنية التربوية وأولوياتها:

ويعدّ هذا الجانب من الثقافة الغربية من الأمور الخطيرة التي لها تأثير سلبي كبير على جيلنا، بحيث تضطرب فيه الأولويات التربوية للمراحل العمرية المختلفة وتتلاشى الهرمية في التربية وتختلط المفاهيم والخبرات والسلوكيات الشخصية والاجتماعية وهم في سنّ غير مناسبة، عن طريق برامج الأطفال، وألعاب الفيديو، والإعلانات، وبخاصة في جوانب إثارة الشهوة والعلاقة بين الرجل والمرأة، وهو ما يؤثر سلبيًا على الجيل وبخاصة من هو منهم في سنّ المراهقة.

خطوات عملية لمواجهة الإخلال التربوي:

  • تنمية التفكير النقدي والتحليلي عند الأبناء لمعرفة المفيد من الضار.
  • توجيه الأطفال للمحتوى المناسب لمرحلتهم العمرية.
  • اتخاذ خطوات تربوية استباقية من خلال شرح المفاهيم التربوية بما يناسب سنّ الطفل، حتى يأخذها من المنبع الصافي.
  • تربية الطفل على أهمية محاسبة النفس والشعور بمعيّة الله تعالى ومراقبته لعباده.
  • تنظيم وقت مشاهدة البرامج وتوفير بيئات تربوية ملائمة لها، وتحديد أجواء وفترات زمنية ملائمة لاستخدام الأجهزة التقنية.
  • توفير بدائل ترفيهية جاذبة بعيدة عن الألعاب والبرامج الغربية، مثل القراءة والرياضة، والحرف اليدوية.

دور الغزو الفكري الغربي في توسيع الصراع بين الأجيال:

من بين الآثار السلبية الملموسة للغزو الفكري والثقافي الغربي، توسيع الصراع بين الأجيال، حيث عمل على تعميق الفجوة بين تفكير الأبناء وتفكير الأبوين، حتى صار الأبناء يعتقدون بأنهم متقدمون على والديهم، وأن خبرات الأهل أصبحت قديمة وسطحية وبلا قيمة ولا تناسب حجم التطور الحاصل في الحياة من حولهم.

خطوات عملية للحماية من تصارع الأجيال:

  • تربية الأبناء على ثقافة الحوار.
  • تنمية احترام الآباء لآراء أبنائهم وعدم الاستهزاء بها.
  • بناء علاقة صداقة مع الأبناء.
  • مبادرة الأسر إلى الاستعانة بمتخصصين في حال زادت الهوّة بين الآباء والأبناء.

همسة في أذن الوالدين:

حتى ينجح الأبوان الكريمان في أداء مهامهم التربوية على أحسن وجه، وحتى يكونا قادرين بصورة أكثر فاعلية على تحمل مسؤولياتهم التربوية في رعاية أولادهم وتوجيههم توجيها يتمكنوا من خلاله من مقاومة المشروع التغريبي الذي يستهدفهم يحسن تنبهما إلى ما يلي:

خطوات عملية تختصر مسألة التربية لمواجهة هذا الهجوم الغربي:

  • أهمية حرص الأبوين على العلم الشرعي، وزيادة الاطلاع على الثقافات المعاصرة.
  • الاطلاع على سيرة النبي  وسير الصحابة وأعلام الأمة وعظمائها.
  • عناية الوالدين بأن يكونا قدوة حسنة لأبنائهم.
  • تعلم مهارة الاستماع وعدم كتم أسئلة الأبناء.
  • تقبل الوالدين للنقد وتجنب ادعاء العصمة وترك الاعتراف بالخطأ متى وقع من أحدهما.

وهكذا نكون -متى نجحنا في تحقيق ذلك- قد استطعنا أن نقف أمام هذا الغزو الفكري الغربي، وأن نحمي أبناءنا من آثاره السيئة، ونرشدهم للاستفادة الإيجابية ممّا يأتينا من الآخر.