كيف نعزز أثر العبادات في نفوس أطفالنا ؟ copy
الأحد 29 جمادى الأولى 1446هـ by ajjaj

كيف نعزز أثر العبادات في نفوس أطفالنا؟

إن تنشئة ذريةٍ صالحة تؤمن بالله، وتحسن عبادته هو خير ما يغرسه الأهل والمربون في أبنائهم ويبذلون لأجله كل جهد، لتحقيق خير ثمرةٍ يحصدونها في الدنيا والآخرة وهي الولد الصالح.

ولقد بُني الدين على مجموعة من الشعائر والحدود والأركان ينبغي تعزيزها لدى الأطفال لتبلغ في نفوسهم منزلة رفيعة وتصبح بوصلةً توجههم في حياتهم أنى ذهبوا..ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، وسنأتي في هذا الموضوع على بعض أصول الدين وعباداته الكبرى وشيء مما يعزز أثر هذه العبادات في نفس الطفل.

أولاً: تعزيز أثر الشهادتين

إن جوهر الدين هو التوحيد وشهادة أن لا إله الله وأن محمداً عبده ورسوله.. وهنا يمكننا أن ننهل من أسلوب لقمان الحكيم ووصاياه لابنه، فموعظته الأولى والأهم عن توحيد الله، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

لا بد إذًا من تعزيز الإيمان بالشهادتين لدى الطفل من خلال:

  • تعريفه بأسماء الله وصفاته وتصويرها بأمثلة قريبة من تفكيره وإسقاطها على مواقفَ مختلفةٍ من حياته، فهو اللطيف الخبير، يرانا ويسمعنا ويعلم بحالنا..
  • التركيز على التأمل والتفكر في عظمة الكون وآيات الله ومخلوقاته، والتسبيح بحمد مبدع هذا الكون وخالقه.
  • تعليم الطفل سيرة نبينا محمد النبي الأميّ، واستشعار عظيم مكانته والاقتداء به، فهو الرسول الذي بعثه الله ليعلمنا هذا الدين..
  • تعليم الطفل قصص أصحاب رسول الله وتابعيه فهم النموذج الأمثل لتطبيق شرع الله والاقتداء بنبيه.
  • تعزيز التوكل على الله في نفس الطفل والالتجاء إلى الله ودعاؤه ورجاؤه..

ثانياً: تعزيز أثر الصلاة في نفوس الأطفال.

الصلاة محطة اتصال بالخالق وهي الشعيرة العظيمة التي سماها الرسول نوراً وهي عماد الدين وأساسه. والطفولة مرحلة مهمة لإعداد الطفل ليكون مستعداً للالتزام بالصلاة في سن العاشرة.

  • من الضروري إعداد الطفل نفسيًا للصلاة في سن مبكرة، في البداية عبر دعوته للوقوف إلى جانب أهله أثناء أداء الصلاة..
  • تحفيظ الطفل سورة الفاتحة وقصار السور من القرآن ليكون مستعداً، وبناء العادة بالتدريج. ولا يتوقع الأهل الالتزام التام من الطفل في البداية فالموضوع بحاجة إلى اللين والصبر وتحبيب الطفل بالامتثال لأمر الله، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:١٣٢].
  • من الجميل أن يصحب الأهل أطفالهم إلى المساجد فيستشعروا بمظاهر صلاة الجماعة والتآلف لتتعلق قلوبهم بالمساجد وليشعروا بدخولهم في المجتمع واندماجهم فيه.
  • الإحسان في الوضوء ليستشعر الطفل أن ذنوبه تخرج مع قطرات الماء..
  • الترديد خلف المؤذن والتماس وقت إجابة الدعاء.
  • أهمية المواقيت في حياة المسلم، فكلُّ شيءٍ في الكون يخضع لنظام وميقات محدد.
  • يمكن تصميم جدول أو خارطة لأوقات الصلاة وعدد الركعات والسنن بشكل لطيف يتتبعه الطفل ويتوق لملء خاناته بالإنجاز.
  • تعزيز المكافآت المعنوية للطفل حين يؤدي الصلاة بالثناء عليه والدعاء له بالخير لتحفيزه على الالتزام والشعور بأهمية ما يقوم به.
  • كما ويمكن إعداد هدايا مميزة للطفل حين يؤدي صلوات الأسبوع كاملةً لتشجيعه على الاستمرار والمواظبة.

ثالثاً: تعزيز أثر الصيام

إن شهر رمضان هو خير فرصة لتعزيز أهمية شعيرة الصيام، وهو موسمٌ للطاعات والخيرات، فيمكن اقتناص هذه الفرصة بالاحتفاء بهذا الشهر الكريم وطقوسه وجعله ذكرى لا تُنسى يحملها الطفل في ذاكرته بفرحٍ ويحنّ لها.

يحب الأطفال تقليد الكبار ويشعرون بالفخر حين يجارونهم، فتتوق أنفسهم للصيام..

يمكن البدء مع الطفل من عمر السابعة بالصيام حتى أذان الظهر ثم حتى العصر وبالتدريج دون أن نحمّل الطفل ما لا طاقة له به.

ويمكن تحبيبهم بالصيام عن طريق بيان ما له من فضلٍ ومكانةٍ عند الله، عن سهل بن سعد عن النبي قال: إن في الجنة بابا يقال له: الرَّيَّانُ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم.. متفقٌ عليه.

وأيضًا عن طريق استحضار المعاني الجميلة التي يربينا عليها الصيام، كالتربية على الصبر ومراقبة الله تعالى، والإحساس بالفقير والمحتاج ومن هو أقل منه حالاً.

رابعاً: تعزيز أثر الزكاة

من المهم أن يترسخ في ذهن الطفل أثر إيتاء الزكاة والصدقات ومنافع ذلك، وأن المال هو نعمةٌ من الله ينبغي شكرها واستخدامها على النحو الذي أمرنا الله تعالى به.

ولتبسيط الفكرة فلا بد من غرس مبدأ العطاء في البداية ومساعدة الغير وحب الخير لهم، فإن التربية على هذا المبادئ الأخلاقية تدعم فطرتهم السليمة التي جبلهم الله عليها وتساعد في امتثالهم للطاعات بشكل جيد.

كما أن أثر الإنفاق والصدقات يعزز مبدأ التكافل الاجتماعي فالطفل ينتمي للمجتمع الذي يحيط به، ورؤيته لطبقات المجتمع المختلفة يوسّع من مداركه ويبني شعوره بالمسؤولية تجاه الآخرين، عن أبي موسى الأشعري  أن النبي قال: المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه رواه البخاري

خامساً: تعزيز أثر الحج إلى بيت الله

إنّ قصّة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام زاخرةٌ بالمعاني العظيمة، كالبذل لله والتسليم لأمره، ورحمة الله ولطفه.. حيث يمكن استغلال موسم الحج وعيد الأضحى وشرحها للطفل بأسلوب قصصي شيق.

كذلك لا بد من رؤية الحجاج لبيت الله الحرام وتأمل طوافهم وسعيهم وتلبيتهم مما يزرع في نفس الطفل الاشتياق لبيت الله…

سادساً: بر الوالدين

لا بد للطفل أن يعلم أن طاعته لوالديه وبرّه بهما باب يوصله إلى الجنة بإذن الله، وله في الإسلام مرتبةٌ عظيمة هذا من باب الترغيب بالأجر والثواب، كما أنه يزيد من الألفة والمودة في العائلة الواحدة، عن عبد الله بن مسعود قال: يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ أخرجه مسلم.

سابعاً: طلب العلم

من الجميل أن يربي الأهل أطفالهم على حب العلم والتعلم وتبيان فضل ذلك لهم، مما يرفع مكانته في نفوسهم بدلاً من أن يكون عبئاً يثقل كاهلهم.

فطلب العلم عبادة يرفع الله بها المؤمنين درجات، وينفع بها عباده، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًى بِمَا يَصْنَعُ أخرجه أبو داوود.

في النهاية علينا ألا ننسى الأثر الكبير الذي تتركه العبادات في نفس الطفل ودورها الجوهري في تكوينه النفسي والاجتماعي، والخصال العديدة الحميدة التي يكتسبها الطفل نتيجة الالتزام فتنعكس على شخصيته وسلوكه، فالإحسان مطلوبٌ من الوالدين في التربية الإسلامية الصحيحة، فهي خير ما تُبذل لأجله الجهود وتُستقطعُ من أجله الأوقات والانشغالات، وما جزاء الإحسانِ إلا الإحسان..

وما أبهاها من حسنات تطال الوالدين حتى بعد الموت بفضل تربيتهم للولد الصالح الذي يحفهم بدعواته، فتجعل عملهم الصالح مداداً لا ينقطع في الدنيا والآخرة..