كيف نقي أبناءنا من فتن الشهوات والشبهات copy
السبت 13 جمادى الآخرة 1446هـ by ajjaj

كيف نقي أبناءنا من فتن الشهوات والشبهات؟

جاء الأمر من الله بوجوب وقاية الأولاد من النار، وأن يبعدهم وليهم عن كلِّ طريق يوصل إليها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6].

وجاء البيان من رسول الله ﷺ بأنَّ المرء يُسأل عن رعيَّته يوم الدين، فبأي شيء يجيب مَن ضيَّع أولاده؟

يقول ابن القيم رحمه الله: “كم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه… وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيتَ عامَّته من قِبَل الآباء! “.

وتعد المرحلة الانتقالية ما بين الطفولة والشباب مرحلة حساسة تتميز بالتقلبات المزاجية والعاطفية والبحث عن الذات والتفرد، والنقد لكثير من الموروثات، فما بالكم بمن يعيشها في هذا الزمن حيث تكاثرت الفتن التي حذّرنا نبيُّنا ﷺ من مجيئها في آخرِ الزّمَانِ حيث يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا1مسلم (118)..

والناظر في حال الأمة اليوم يرى الفتن قد أحاطت بأبنائنا من كل جانب، تدخل كل بيت وتعرض للجميع دون عناء بحث، بطرق مباشرة وغير مباشرة، وماعاد المربي يربي ابنه وحده بل صار العالم كله شرقه وغربه يشاركنا في صياغة عقول أبنائنا ونفسياتهم إن لم نتسلح بالوعي الكافي لمواجهة ذلك.

دور الأسرة الوقائي:

حين تكون الأسرة حضناً دافئاً ومنبعاً للحب وسندًا وأمانًا للطفل وإن أخطأ فإنه سيلجأ إليها دوماً وستكون حصنه الحصين في مواجهة ما يتعرض له من فتن. أما حين تسود القسوة بدل الحب واللوم المخيف الذي يُلجئ الأطفال إلى الكذب أو إخفاء ما يلاقونه فكيف لهم أن يحتموا بأسرهم؟ وحين ينشغل الوالدان عن سماع ما يدور بخلد الأبناء، أوحين لا تتاح الفرصة للأبناء للحديث لأن التوتر واللوم والأوامر تسود العلاقات المنزلية فمتى وأين يفضون بما يعانونه أو يواجونه؟ وحين يتكلم الطفل مرة عن شبهة دارت بخلده فيسكته أبوه أو أمه بعنف فلمن سيلجأ بعد ذلك؟

جاء في نتائج وتوصيات البحث الذي نشرته مجلة كلية التربية في جامعة الأزهر عن أهمية الدور الوقائي للأسرة في حماية الطفل من الإلحاد أن التربية الوقائية من الإلحاد تحتاج أن تؤمن الأسرة بأن الطفل هو أعظم استثمار لـديها، وتقوم على تكامل ثلاث استراتيجيات:

عوامل الوقاية من فتن الشبهات

بدخول الانترنت لجميع البيوت ومع غياب الرقابة الأسرية عن معرفة ما يقوم به الطفل عبر وسائل التواصل زادت الانحرافات الفكرية لدى الأجيال المسلمة الحديثة، وللوقاية من حدوث ذلك لا بد للمربين من:

  1. التقوي على ذلك بتقوى اللهِ جلّ وعلَا، والتمسكُ بدينِهِ، والدعاءُ للأولاد بالصَّلاح والهداية والخير، فها هو الخليل إبراهيم ﷺ يدعو: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم: 40].
  2. ربط الطفل منذ نشأته بأسماء الله الحسنى وتجلياتها في كل ما يراه حوله من مخلوقات الله وبديع صنعه، وتدبيره وحكمته؛ وذلك من أجل المحافظة على سلامة فطرة الطفل من الإلحاد، فالله فَطَر الخلق على الإِيمان به وعلى المربي حماية هذه الفطرة، كما تعد تلاوة القرآن وتدبره، وذكر الله تعالى من أكبر المساعدات على تقوية الفطرة وتثبيتها.
  3. الإجابة عن كل تساؤلات الأبناء التي تدور في عقولهم، وعدم نهرهم عنها، فالنهر والعنف يجعلهم يسكتون لكنها تبقى تدور في عقولهم، وقد يبحثون عن إجاباتها في المكان الخاطئ، ولا شـك أن الإجابة عليها تتطلب معرفة وعلماً عند المربي، فإن صعُب عليه السؤال عليه أن يسأل أهل العلم، وعليه أن يحثُّ أبناءه على طلبِ العِلم؛ فالعلمُ يُضيء الطريقَ، ويُبَصّرُهم بما يُعرضُ عليهم من الفتن، ولابد من إحالتهم عندَ وجودِ الاختلاف إلى العلماءِ الربّانيينَ الأكابر المتفق عليهم.
  4. ضرورة وجود الاستقرار في الأسرة والعلاقة الطيبة مع الوالدين، ففي محاولات بعض الباحثين دراسة الخلفيات الأسرية للملاحدة، ظهر أنه كلّما تضاءل اهتمام الوالدين بالدين كلّما ازدادت احتمالية تمرّد أبنائهما عليه، أما في الأسر المتديّنة فقد كانت علاقة الملحدين في الغالب بأسرهم غير طيّبة كما يرى عالم النفس2د.عمرو الشريف، الإلحاد مشكلة نفسية، نيو بوك للنشر والتوزيع، نقلاً عن بنيامين هلاهمي، النمط النفسي للملحد دراسة أجريت على أعضاء الاتحاد الأمريكي للإلحاد المتقدم /2007.، كما ظهر أن الأبناء المعرضين لسوء المعاملة الأسرية تزيد احتمالات توجههم نحو الإلحاد مقارنة بنظرائهم الذين لديهم آباء جيدون كما يرى فيتز.
  5. الربط بالقدوات الحقيقة وإبرازها لتسد فجوة القدوات السيئة التي يصطدم بها هذا الجيل؛ فقد ذكر فيتر أيضًا أن ” أي انحراف يشين رجال الدين يُعتبر عاملاً قوياً ممهدًا للإلحاد3بول فيتز، نفسية الإلحاد، ترجمة مركز دلائل.“.
    ويمكننا رؤية صحّة هذه النظرية في عالمنا الإسلامي، إذ إن ممارسات بعض رجال الدين في المجال السياسي أحبطت الكثير من الشباب، وزاد من حدّة موجة الإلحاد الممارسات “الداعشية” التي وفرت مادة للإعلام لتشويه الدين.
  6. استخدام اللين والغرس الإيماني في تعزيز علاقة الأبناء مع الله تعالى، حيث تلجأ بعض الأسر للشدة مع الطفل لأنه مقصر في الصلاة أو في حفظ القرآن أو تجبر الصغيرات على الحجاب ثم في مرحلة المراهقة يسير الأبناء نحو التفلت، لذا على المربين أن يهتموا بالإيمان أولاً ثم الشعائر، عن جندب بن عبدالله  قال: “كنَّا معَ النَّبيِّ ﷺ ونحنُ فتيانٌ حزاورةٌ فتعلَّمنا الإيمانَ قبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ ثمَّ تعلَّمنا القرآنَ فازددنا بِه إيمانًا “4صحيح ابن ماجة (52)..
  7. الحرص على البيئة الصالحة وحسن الصحبة، ومجالس العلم، ومتابعة ما يشاهده الأبناء في مواقع التواصل أو ما يتعرضون له من نقاشات مع أصحابهم أو معلميهم، والحذر من سفر الشباب إلى بلاد غير مسلمة.

عوامل الوقاية من فتن الشهوات:

لا شك أنّ صلاحَ الوالدينِ لهُ أثرٌ إيجابيٌ على الأبناء؛ فهما القدوةُ التي يرونَها أمامهم، ومع ذلك قد يتأثر لأبناء بعوامل وقدوات أخرى، وبتكاثر الفتن وانتشار الفواحش كيف لنا أن نحفظ أبناءنا في هذا الزمان؟.

  1. الحرص على تحصين الأبناء بأذكارِ الصّباحِ والمساءِ، والدعاء لهم بالصلاح وتربيتهم على الحرص على الصّلاةِ والمحافظةِ على النوافلِ وذكر الله والبعد عن المعاصي وتعويدهم على مداومة تلاوة القرآن مع تدبُّره لأنه يُربي الإيمانَ في القلوب، وفيه الهدى والنور والهداية لكل خيرٍ.
  2. التربية الجنسية السليمة منذ الطفولة، والتعويد على ستر العورة، والتدريج في تعليمهم أسس العلاقة بين الجنسين كتحريم الخلوة والأمر بغض البصر وحفظ الفرج، وتقوى الله تعالى في الخلوات، وفي الحديث يا عليُّ لا تُتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ، فإنَّ لَكَ الأولى، وليسَت لَكَ الآخرةُ5سنن الترمذي (2777).، وتعويد الأبناء على مصارحة الوالدين بكل ما يحدث لهم ومايتعرضون له مهما كان محرجاً، فعلى الأسر أن تبقى السند الآمن على الدوام.
  3. الحرص على صحبة الأخيار، وذلك بإتاحة الجو الملائم لاختيار هذه الصحبة كاختيار المدرسة الجيدة ومكان السكن المناسب، والتسجيل في النوادي العلمية والرياضية المميزة ودور التحفيظ ومجالس العلم، وزيارة الأسر الطيبة التي لديها أبناء بنفس العمر.
  4. تطهير البيوتَ من وسائلِ الإفسادِ، والانتباه لما يتابعه الأبناء، والحرص على التربية التكنولوجية السليمة، وإشغال وقت الأبناء بالمفيد والنافع من الرياضات والهوايات والنشاطات الكشفية. وتبصرة الأبناء بخطورة المواقع الإباحية، وبيان حرمة وضرر الإدمان عليها، وشرح سبل التخلص من هذا الإدمان.
  5. الحكمة والرفق في التعامل مع آرائِهم ومشاعرهم، والاقتداء بالنبي ﷺ حين أتاه الشاب يستأذنُه في الزّنَا، فلم ينهرْهُ ولم يُغلظْ عليه القولَ، بلْ كان جوابُه: أتحبُّهُ لِأُمك؟.. أفتُحِبُّهُ لابنَتِك؟.. الحديث، فكانَ الردُّ العمليُّ أشدَّ تأثيراً منَ الكلامِ، كذلك الدعاء: اللّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصّنْ فَرْجَهُ؛ فلمْ يكنْ الفتى بعد ذلكَ يلتفتُ إلى شيء6الألباني، السلسلة الصحيحة، (1/ 712)..
  6. اللجوء للصوم، ففي الحديث يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء7مسلم (1400)..
  7. تجريم الزنا وإظهار مساوئه، وما فعله بالمجتمعات التي انتشر فيها، والابتعاد عن القذف، وتجريم الشذوذ ومخالفة الفطرة والتشنيع على مروجيها، ومحاربة وكشف من يشيعون الفاحشة في المجتمع المسلم بكل الوسائل.
  8. وأخيرًا الالتزام بالدعاء النبوي: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، فلا يأمن الإنسان على نفسه، ولا على أولاده من هذه الفتن، وعليه أن يحذر منها ويقاومها، عليه أن يتمسك بدينه ولو كان كالقبض على الجمر.
  • 1
    مسلم (118).
  • 2
    د.عمرو الشريف، الإلحاد مشكلة نفسية، نيو بوك للنشر والتوزيع، نقلاً عن بنيامين هلاهمي، النمط النفسي للملحد دراسة أجريت على أعضاء الاتحاد الأمريكي للإلحاد المتقدم /2007.
  • 3
    بول فيتز، نفسية الإلحاد، ترجمة مركز دلائل.
  • 4
    صحيح ابن ماجة (52).
  • 5
    سنن الترمذي (2777).
  • 6
    الألباني، السلسلة الصحيحة، (1/ 712).
  • 7
    مسلم (1400).