كيف ننشئ الطفل الصادق؟ copy
الأحد 24 شعبان 1446هـ by ajjaj

كيف ننشئ الطفل الصادق؟

الصدق خُلق يحبه الناس لما له من أهميّة في زرع الثقة بينهم، والإنسان الصادق إنسان قوي بعكس الشخص الكاذب الذي يبقى خائفاً ومهزوزًا، وقد شدد الإسلام على أهميّة التحلي بالصدق، واعتبره بداية سلسلة الأخلاق الحسنة ففي الحديث إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يَكونَ صِدِّيقًا. وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا1صحيح البخاري، رقم: 6094..

متى يستطيع الطفل إدراك هذا المفهوم؟

يميل الأطفال بفطرتهم إلى قول الصدق، حتى إنهم يعبّرون عما يدور في خلدهم بكل شفافية ودون مجاملات، ولكنهم يبتعدون عن قول الصدق أحياناً وبنفس البراءة، فكيف يكون ذلك؟ 

لا نستطيع أن نقول إن الطفل يكذب قبل عمر 7 سنوات، لأن الطفل قبل هذا السن لا يستطيع أن يفرق بين ما يحدث في الواقع وبين ما يقوله له عقله، وبين ما يسمعه وبين ما يشعر أنه موجود فعلاً.
فقد يصرخ والده ويغضب منه، فيترجم عقل الطفل ما حدث بأن والده لا يحبه، ويخبر أمه بأن والده قال له أنه لا يحبه!، ومع ذلك فالطفل هنا لم يكذب، ولكن هذا ما فهمه.

وقد يتخيل الطفل أنه بطل مغوار قد قضى على كل زملائه الأشرار، فيحكي لأبيه قصص انتصاراته، والطفل هنا لا يكذب ولكنه يتخيل ويسعد بهذا الخيال.

وقد يكسر الطفل تحفة ثمينة فيخاف من العقوبة ويتمنى لو أن غيره كسرها، فيترجم أمنياته كلاماً لعله ينجو، ومهمة المربي هنا هي الشرح والتوضيح لمفهوم الصدق وبيان أهميته، وهي المراحل الأولى لعملية غرس القيم.

غرس قيمة الصدق 

بالرغم من حِرص الوالدين على تعليم أبنائهم القيم والأخلاقيات، إلا أن هناك عوامل أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار، حيث إن هناك فرقاً بين تعليم القيم وغرس القيم، فتعليم القيم هو تلقينها للطفل بشكل لفظي فحسب، أما غرس القيم فيتجاوز مرحلة نقل المعلومة إلى مخاطبة الجانب الوجداني، ثم نقل هذه القيمة إلى الجانب السلوكي، كما إن عملية الغرس تتطلب جهداً ووقتاً أطول. 

وغرس القيم في مرحلة الطفولة أسهل من غرسها بعد ذلك، والكثير من الآباء لا يتفطّن لذلك إلا بعد أن يبدأ في معاناة مشاكل ابنه في مرحلة المراهقة.

مراحل أنموذج التاءات الأربع لغرس القيم ومنها الصدق

يكون بالشكل التالي: 

أولاً: التيقظ الوجداني

ويلامس القلب، فيعمد المربي إلى تحبيب الطفل بالصدق وتبغيضه بالكذب 

أفكار عملية: 

  1. رواية القصص أو الترنم بالأناشيد، التي تثمن الصدق وتحببه إلى القلب، وتبغض الكذب مثل رواية الراعي الكذاب، وتحكى هذه الحكايات وهذه الأناشيد في كل مناسبة، قبل النوم وفي أوقات الانتظار.. أو عن طريق الجد والجدة.
  2. لا تنس تعليم الطفل أن أبرز صفة كانت تلازم رسول الله  قبل بعثته كونه: الصادق الأمين، وأن أهل مكة أحبوه كثيراً لأجل هذه الصفة بالذات. 

ثانيا: التعقل

ويخاطب العقل، وذلك بشرح المفهوم وتوضيحه بصبر، لتمييز الصدق عن الكذب، وتمييز الحقيقة عن الخيال، وبيان الأدلة الشرعية والواقعية على أهمية الصدق.

أفكار عملية:

  1. حين يقص الطفل الصغير عليك قصة خيالية اسمعه جيداً، ثم اشرح له أنك معجب بتفاصيل قصته الخيالية، وأتبع ذلك بقولك: بعد الانتهاء من رواية القصص الخيالية الجميلة هل يمكن أن تحكي لي الآن ما حدث معك حقاً في المدرسة اليوم؟ وحين يكذب الطفل الصغير خوفاً أو طمعاً لا تنعته بالكاذب، ولكن اشرح له أن هناك فرقاً ما بين الحقيقة وبين ما يشتهيه، وأخبره بأنك تتوقع منه أن يخبرك بالحقيقة دوماً.
  2. اعمل مسابقة بين الأولاد في حفظ بعض الآيات التي تحض على الصدق مع شرح الآيات المختارة في الجلسة التربوية، أو في حفظ بعض الأحاديث التي تحض على الخلق، ويمكن إدخال الابتكار على المسابقة بكتابة كلمات الحديث على أوراق منفصلة مثلاً وخلط الورق، وتوزيع عدة نسخ بحسب عدد الأولاد، وأيهم يرتبها أولاً يفوز، وقد يتم الخلط بين أكثر من حديث، كما يمكن كتابة الأحاديث بخط جميل، وتعليقها في مكان بارز بالمنزل لمدة شهر مثلاً.

 ثالثاً: التخلّق/ السلوك القيمي

فالتربية ليست فقط بالموعظة المباشرة، ولا تقتصر على وقت معين، بل هي وظيفة العمر، فلنحاول أن نستغل كل الفرص والأوقات والمواقف التي تساعد على ترسيخ التخلق بالصدق.

أفكار عملية:

  1. التشجيع على كل موقف صدق يصدر من الطفل ومكافأته عليه معنوياً، لأن الطفل في هذه المرحلة يهتم بشكل كبير إلى الأمور التي يتم مدحه فيها، فيبقى محافظاً على فِعل ما يُحبه والداه، كما أنه سيتعلم الاعتراف بالخطأ دون خوف.
  2. عدم نعت الطفل بالكذاب أبداً وإلا ستلازمه تلك الصفة، بالعكس، حين يكذب الطفل انتقد الفعل ولا تصفه به، وقل له أنت طفل مسلم صادق لا ينبغي لك أن تقول هذا.

رابعًا: التمثل/ الرسالة القيمية

ينتقل الطفل هنا إلى مرحلة حمل قيمة الصدق كرسالة يريد إيصالها للآخرين ويحرص على تخلقهم بها. فأفضل طريقة لترسيخ القيمة بثبات دائم هي أن يتحول المرء إلى داعية لها.

أفكار عملية:

  1. ناقش مع طفلك أي مشهد يظهر فيما يتابعه من برامج، واسأله عن رأيه في تصرف الشخصية من صدق أو كذب، وتخيل معه أنه جزء من هذا المشهد كيف كان سيبدي ردة فعله؟. 
  2. شجع طفلك ـــ إن كان في عمر كبير نسبياً ـ على كتابة موضوع عن الصدق وأهميته والكذب وخطورته، وانشر هذا البحث بين أصدقائه وزملائه، أو انشره على مواقع التواصل إن كان في عمر أكبر.

وهناك تاءات أخرى مدمرة للتوازن النفسي ومشجعة على تخلق الأطفال بالكذب في مقابل تاءات غرس القيم منها:

  • التهديد والتخويف: وخطرهما شديد، لأن الأمان حاجة أساسية عند الطفل، وكثير من الأطفال يعتادون الكذب خوفاً من العقوبات الشديدة.
  •  التجريح بالكلام البشع والوصف السيئ أو بالسخرية التي تترك في النفس ندوباً تهدم الثقة بالنفس مما لا يساعد في تنشئة طفل قوي صادق.
  • التشكيك بقدرات الطفل وصفاته الجيدة ومواهبه، مما يفقده الثقة بنفسه، أو يدفعه للكذب وادعاء ما لم يفعل في محاولات الحصول على إعجاب والديه.
  • التهويل من أي خطأ يصدر عن الطفل، ووصفه بالكاذب حتى ولو كانت مرّته الأولى، مما يجعل الطفل يكبر وهو يحمل عن نفسه صورة سيئة، ولعله حين يصل إلى فترة المراهقة يتمرد على تلك الممارسات وعلى كل القيم معها.

ولتربية الأطفال على الصدق إليكم بعض النصائح والأفكار:

  1. تخصيص يوم لاجتماع الأسرة والقيام بفعاليات مرحة، وتخصيص ساعة من هذا اليوم لجلسة ربانية تجمعهم فيكون لها من الأثر المبارك الطيب على أخلاق الأولاد. خاصة إذا دعا أحد الوالدين في نهايتها بدعاء جميل يشمل ما يتمناه الجميع وضمّنه أن يرزقهم الله خلق الصدق.
  2. التعامل بصدق من قِبل الأهالي لأنهم هم القدوة الأولى لأطفالهم، ومن ذلك:
    • الإجابة على أسئلة الطفل بصدق بطريقة تُناسب عقله وسنه، مهما كان سؤاله. 
    • عدم الوقوع في فخ (الكذبة البيضاء) ،كأن يتأخر الطفل في الاستيقاظ فيقول المربي لمعلمته أنه كان مريضاً، أو أن تكذب الأم على مضيفتها فتعتذر عن الأكل مدعية أنها قد أكلت، والطفل يشاهد كل ذلك.
    • عدم وعد الطفل بعمل شيء لا ينوي الأهل فعله، كأن يقولوا له: غداً سنصطحبك في رحلة، أو يقولوا لو نجحت فسنشتري لك هذه اللعبة، ثم لا يفعلون. 
  3. عمل برنامج لتطبيق هذا الخلق بحيث يجيب عن أسئلة منها:
    • هل تحريت الصدق في كل أقوالك وأفعالك اليوم؟
    • هل تحريت الصدق في المزاح؟
    • هل دعوت الله أن يرزقك الصدق؟
  4. تخصيص وقت معين يوميًا يحكي فيه الطفل ما مر به أو يصف ما يدور في خاطره دون تعنيف، وإن كانت الفكرة خاطئة أو مخيفة، مما يساعده على الانفتاح والشجاعة لقول الصدق وإن أخطأ.
  5. تعويد الأطفال على أن قولهم الصدق سيخفف عنهم العقوبات المعتادة، أما إن كذبوا فستكون العقوبة مضاعفة؛ لأنهم جمعوا عصيانًا وكذبًا.
  6. عدم نعت الطفل بالكاذب لا يعني أن نتهاون مع تكرار الكذب بل نفهم سببه ونوضح خطورته، ونتفق مع الطفل على عدم الكلام معه لفترة مُعينة إذا كرر الكذب، وبعد انتهاء مدة العقاب يجب أن يتم تذكيره بأهميّة الصدق، ومدى غضب وحُزن والديه من تصرفه الخاطئ هذا. 
  7. وأخيرًا لا ننسَ الدعاء والتضرع إلى الله بهداية الأولاد وصلاحهم فهو ولي ذلك والقادر عليه.
  • 1
    صحيح البخاري، رقم: 6094.