كيف ننمي مهارات التفكير العليا لدى أبنائنا؟ copy
الأحد 8 جمادى الأولى 1446هـ by ajjaj

كيف نُنمّي مهارات التفكير العليا لدى أبنائنا؟

يسعى الآباء الناجحون والذين يمتلكون وعيًا وإحساسًا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه أبنائهم والذين يدركون حقيقة النعمة العظيمة التي وهبها الله لهم وهي الذرية إلى بذل كل مافي وسعهم لتربية أبنائهم تربية صالحة وإنارة عقولهم بالعلوم والمعارف المختلفة، وبالقيم والأخلاق العالية، ولا يكتفون بتعليمهم ما تعلموا هم، بل يُناضلون من أجل دفع أبنائهم ليكونوا نسخة أفضل منهم، فينالوا من العلوم والمعارف مالم ينالوه هم، ويكتسبوا من المهارات ما يتناسب وبيئتهم، فيواكبوا ركب التطور والحضارة ويحققوا الفلاح في الدنيا والآخرة.

وبما أن المهارات العقلية هي من أهم المهارات التي يمكن للإنسان أن يكتسبها وينميها ويطورها لتكون وسيلة لتحقيق النجاح في كل المجالات المختلفة في حياة الإنسان، فهي البوصلة التي تساعد الإنسان في حياته وتهديه إلى الفلاح والنجاح في الدارين، لذلك يجب على الآباء أن يولوا اهتمامًا كبيرًا لتنمية هذه المهارات عند أطفالهم ومنذ نعومة أظفارهم، فإن اكتساب الطفل لمهارات التفكير منذ صغره وتدريبه على استخدام هذه المهارات في صغره ستصنع منه إنسانًا ناجحًا متميزًا قادرًا على حل المشكلات واتخاذ القرارات وأداء المهام وتحمل المسؤولية، وبالتالي أسرة ناجحة متميزة تسهم في نجاح وفلاح المجتمع بأسره.

وإذا علّمنا الطفل كيف يفكّر بطريقة صحيحة وكيف يختار وكيف يتخذ قرارًا ويوازن بين المعطيات أمامه فقد علمناه كل شيء في حياته، فالتفكير أساس النجاح، ونضج التفكير وسلامته هو الخطوة الأولى في درب النجاح والسلامة للإنسان في هذه الحياة.

وكما يقول سقراط: “لا أستطيع تعليم أي شيء لأي فرد، ولكن أستطيع تعليم كل شيء لكل فرد إذا علمته التفكير”.

فما هي مهارات التفكير العليا عند الإنسان؟

إن التفكير هو مجموع العمليات العقلية والإدراكية والنشاطات الذهنية التي يقوم بها عقل الإنسان، ومنها ما هو لا إرادي كأن يفكر الإنسان في كل ما يسمعه أو في كل ما تقع عينه عليه، ومنها ما هو إرادي وكأن يفكر الإنسان في حل لمشكلة تواجهه أو يجري عملية حسابية أو يتخذ قرارًا.

وقد قسّم العلماء هذه المهارات تقسيمات مختلفة سنذكر أهمها:

مهارة حل المشكلات:

وتعني قدرة الطفل على إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي تواجهه، وتبدأ هذه المهارة من مرحلة الرضاعة، حيث يحاول الطفل الحبو للحصول على ما يريد، كما يحاول النزول من الأعلى للتحرر من الشعور بالضيق في المكان الذي يجلس فيه،.. كذلك تستمر هذه المهارة في مرحلة الطفولة المبكرة فيحاول الطفل تقسيم الحلوى نصفين عند وجود قطعة واحدة فقط له ولأخته، كما يقوم بوضع الكرسي للوصول إلى العصير الذي يحب.

وتستمر إلى مرحلة الطفولة المتأخرة، حيث يحاول إيجاد الحلول للمشكلة التي واجهته مع صديقه ويحاول إيجاد طريقة للحصول على المال عند الحاجة إليه، كما يحاول إقناع والده بذهابه إلى رحلة مدرسية، ويحاول تنظيم وقته بين الدروس والنشاطات والأعمال التي يكلفه بها والداه.

مهارة التفكير الإبداعي:

وتعني إيجاد الحلول أو الإجابة عن الأسئلة أو قراءة الواقع بطريقة مختلفة عن المعتاد، وبعبارة أخرى التفكير خارج الصندوق؛ كأن يفكر الطفل بطريقة مختلفة عن التي اعتاد أهله على التفكير بها أو أنه يجد حلًا لمسألة رياضية بطريقة مختلفة أو يكتشف كل ما هو جديد مع سرعة في الانتباه ودقة في الملاحظة.

مهارة التذكر:

وهي القدرة على التذكر وحفظ الأسماء والأماكن والوجوه والأشياء وأماكن تواجدها والأيام والتواريخ والأحداث، كما هي القدرة على حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والنصوص الطويلة والأشعار.

مهارة التحليل:

وهي القدرة على إيجاد الأسباب والتعليلات وراء كل الحوادث والمتغيرات التي تحيط بالطفل، وكذلك إيجاد التفسيرات المنطقية للأحداث والمشكلات التي تواجهه، ويبدأ التحليل بكلمة (لأن).

مهارة التركيب:

وهي القدرة على الربط والجمع بين الأشياء والأحداث للحصول على نتيجة منطقية ونهاية مقنعة، وأكثر ما يُساهم في تنمية هذه المهارة هي لعبة البازل والتي يمكن إعطاؤها للطفل من عمر السنة.

الخطوات العملية لتنمية مهارات التفكير عند الأطفال:

تتنوع الخطوات وتختلف تبعًا لاختلاف المراحل العمرية للطفل، وهنا لا بدّ من تقسيم المراحل العمرية إلى ثلاث مراحل:

مرحلة الرضاع:

وهي المرحلة الأكثر حرجًا، لأنها الأهم على الإطلاق، ففي هذه المرحلة يوضع حجر الأساس وكون الطفل لا يدرك إدراكًا ملحوظًا وواضحًا يكون سببًا في تجاهل الأبوين له والاكتفاء بالرعاية الجسدية، ولكن في هذه المرحلة لا بدّ من اتباع الخطوات التالية:

  • التحدث مع الطفل كأنه شخص واعٍ وذكر أسماء الأشياء المحيطة من أنواع الطعام والأثاث و.. وقراءة القرآن الكريم والقصص على مسامعه.
  • إثراء البيئة المحيطة بالطفل وجعلها غنية ومتنوعة وتنويع المثيرات بين لمسية وحسية وبصرية.
  • تدريبه على الاعتماد على نفسه عند الحَبَي والمشي وعدم تقديم المساعدة له لطالما كان في وضع آمن.
  • مطالبته بإحضار حفّاضه وملابسه وألعابه وإعادتها إلى مكانها وهذا يحفز الذاكرة.
  • إبعاده كل البعد عن الأجهزة الذكية والشاشات المرئية، وذلك (لما فيها من ضرر وتثبيط لنمو الخلايا العصبية تم إثباته بالدليل العلمي القاطع ولسنا هنا بصدد الحديث عن هذه الأضرار)، والاستعانة بالطيور المنزلية والحيوانات الأليفة أو الخروج في نزهة قصيرة، لجذب انتباه الطفل أو تشتيته حسب الحاجة.
  • الحفاظ على البيئة الاجتماعية للطفل، والحرص على وجوده مع الأطفال واللعب والجلوس معهم وهذا يحفز المهارات الاجتماعية.
  • استخدام الألعاب التي تُنمّي ذكاءه، وتساعده على تنمية مهارات التحليل والتركيب وحل المشكلات.

مرحلة الطفولة المبكرة

وتبدأ من مرحلة التعليم ما قبل المدرسة إلى عمر الثامنة، ونراعي في هذا التصنيف الفروقات الفردية بين الأطفال.

  • الحرص على وجوده في بيئة تعليمية (روضة أو مدرسة) جيدة صحيًا وتربويًا وعلميًا.
  • الحفاظ على البيئة الاجتماعية الجيدة وتنمية مهارات الطفل في اختيار الأصدقاء المتميزين وممارسة الأنشطة المختلفة بصحبتهم.
  • الإجابة عن كل التساؤلات التي يطرحها الطفل بطريقة علمية منطقية صحيحة.
  • إثارة التساؤل والفضول عند الطفل من خلال طرح الأسئلة عليه ولفت انتباهه إلى جوانب لم ينتبه إليها.
  • إلقاء المسؤولية على عاتق الطفل وتكليفه بمهام تختلف باختلاف مرحلته العمرية.
  • تدريب الطفل على الالتزام بالقوانين التي تضمن سلامته النفسية والجسدية وإدراكه لمفهوم الثواب والعقاب.
  • الكشف عن مواهب الطفل والمجالات التي يُحبّها ويهتم بها وتنميتها والتوسع فيها.
  • احترام رأيه وقراره وإشراكه في حل المشكلات التي تواجه الأسرة والسؤال عن رأيه في كل حدث مع مراعاة مرحلته العمرية.
  • عدم الإملاء عليه لتفاصيل الطرق التي يجب عليه أن يحل بها ما يواجهه من مشكلات، بل إعطاؤه الخطوط العريضة فقط، ومن ثم السماح له بإطلاق العنان لنفسه في إيجاد الحل الأمثل لما يواجهه ومراقبته عن كثب، وكذلك دفعه لأداء المهام بالطريقة التي يراها مناسبة بشرط الالتزام بجودة النتائج.
  • تنمية مهارته في الاختيار والتمييز بين الجيد والرديء والنافع والضار، وتعليمه الطريقة المنطقية في الاختيار من خلال ذكر السلبيات والإيجابيات لكل اختيار ومن ثم القيام بعملية الترجيح، وإجباره على تحمُّل مسؤولية اختياراته.
  • اصطحابه إلى الأماكن والفعاليات التي تثري معلوماته وتوسع أفق تفكيره ومداركه، مثل حديقة الحيوان ومعارض الكتب والطلب منه القيام بتدوين ملاحظاته بعد كل رحلة.
  • عدم الاكتفاء بالمعلومات والأنشطة المدرسية، بل لابد من الانتساب لمعاهد تحفيظ القرآن الكريم وغرس الهوية الإسلامية والاعتزاز بها، وكذلك الالتحاق بالنوادي الرياضية المختلفة.
  • تقديم التفسيرات العلمية للطفل عن كل المواضيع والظواهر التي تحيط به، كالعلمليات الحيوية في الجسم والأمراض والظواهر الطبيعية و…
  • عدم الاعتماد على التقييم المدرسي للطفل، بل ثقة الأهل بطفلهم والسعي معه للأفضل هي وثيقة النجاح الأولى، وكذلك فإنه بعد النظر في الدراسات العلمية واستقراء الواقع تبيّن أن تقييم المدرسة هو تقييم جزئي وليس كليًا للطفل.
  • تدريبه وحثه على القراءة اليومية والسعي لجعلها عادة لا غنى عنها، فكل طفل قارئ سيكون ناجحًا متميزًا.
  • إبعاده عن الأجهزة الذكية والشاشات الرقمية، وإن كان لا بدّ منها فلابد من تحديد الوقت وتقييد المحتوى ومراقبته والقيام بنشاط ذهني وبدني بعد الجلوس أمام الشاشة.

مرحلة الطفولة المتأخرة:

إن كل ما تم ذكره في الخطوات التي تساهم في تنمية مهارات التفكير عند الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة تصلح في مرحلة الطفولة المتأخرة باستثناء بعض الإضافات والتوسع في بعض الجوانب:

  • إبعاد الطفل بعدًا كاملاً عن منصّات التواصل والألعاب التي تخرب عقول الأطفال وتقتل ساعاتهم وأيامهم، وبالتالي تقتل إنجازاتهم وإبداعاتهم.
  • إشراك الطفل في القرارات الأكثر دقة ومصيرية ودفع المهام الثقيلة إليه والطلب منه القيام بها.
  • ربط الطفل بقدوة حسنة صالحة يرى فيها نموذجًا وقاسمًا مشتركًا، والقدوة جدًا مهمة لهذه الفئة العمرية. (كعَلَم من أعلام الصحابة أو التابعين أو العلماء الذي قدموا خيرًا لهذه الأمة).
  • مساعدة الطفل في إيجاد مساره في هذه الحياة (وإن كان من المحتمل أن يتغير هذا المسار) لكن غالبًا ما يؤدي ربط الطفل في مسار خاص (مع ملاحظات كثيرة عند هذا الربط من الحب والاهتمام والشغف والإبداع ووجود الموهبة) نتائج إيجابية، حيث يوجه طاقته إلى الإبداع والتألق بدل أن تكون متوجهة إلى الحيرة والتخبط.
  • ممارسة الطفل للنشاطات التي تُنمّي ذكاءه وحلّ الألغاز وخوض المسابقات.

وختامًا:

إن التربية هي صناعة الإنسان، وإن بناء عقلية وشخصية الطفل بالطريقة الصحيحة تشبه إلى حدٍ كبير بناء مبنى متكاملًا لبنة لبنة، فلا بدّ من وضع كل لبنة في مكانها الصحيح وبالطريقة الصحيحة حتى يغدو المبنى متينًا وجميلًا ومتكاملًا.

وليس هذا بالأمر السهل، فالتربية طريق طويل يحتاج منا التسلح بسلاحي العلم والصبر، ولكن ستؤتي هذه الثمار أكلها بإذن الله، وسيُزهر ذاك الطفل الذي سعيت من أجله وعلمته وطورته وسلحته بالعلم والوعي والفهم، وسيغدو إنسانًا خيّرًا ناجحًا يُحقق استخلاف الله له في هذه الأرض، وسيكون لك به أجر عظيم.

وإن أهم ما يمكن للمربّي تقديمه لطفله هو تطوير وتنمية مهاراته العقلية كما أسلفنا، فإنه يضمن بذلك أن يحقق الطفل نجاحًا في شتى مجالات الحياة وعلى كافة الأصعدة.