اللعب الجماعي وأهميته في نمو شخصية الطفل
عالم الطفل يغلب عليه اللعب، فاللعب يعد حاجة فطرية ونشاط تلقائي يمارسه الطفل للاستكشاف وتحقيق المتعة والسرور، وتظهر الحاجة إلى الألعاب الجماعية لدى الأطفال بعد سن السابعة حيث يميل الأطفال إلى الألعاب الجماعية المنظمة والتي تحكمها قواعد وقوانين واضحة، مثل لعبة كرة القدم والكرة الطائرة وكرة السلة وغيرها.
وسنتطرق في هذا المقال إلى أهمية اللعب الجماعي في نمو شخصية الطفل، حيث سنبدأ بتوضيح مفهوم اللعب الجماعي بأنه نوع من الأنشطة الترفيهية التي يشارك فيه مجموعة من الأطفال، ويتطلب تفاعلاً بين المشاركين والتوافق والتنسيق فيما بينهم لتحقيق الأهداف المشتركة، ويعرف بأنه نشاط تلقائي وموجه يكون على شكل حركة أو عمل، ويمارس جماعياً ويشغل طاقة الجسم الحركية والذهنية، ويمتاز بالسرعة والخفة ويرتبط بدوافع طبيعية متأصلة في كل طفل أهمها الاستمتاع، كما يعرف بأنه جميع الأنشطة التي يقوم بها الأطفال لإشباع حاجاتهم النفسية وتفريغ طاقاتهم بحيث يجدوا فيها متعة ولذة أثناء اللعب، والخلاصة أن اللعب الجماعي نشاط موجه يقوم به الأطفال لتنمية سلوكهم وقدراتهم العقلية والجسمية والوجدانية ويشبع رغباتهم ويحقق لهم المتعة والتسلية وتوسيع الآفاق المعرفية.
محتويات المقالة
أهمية اللعب الجماعي للطفل
للعب الجماعي أهميّة كبيرة في حياة الطفل حيث يساعده على النمو النفسي والجسمي والعقلي والحركي والاجتماعي واللغوي والأخلاقي، فاللعب لدى الطفل لا يقل أهميّة عن الأكل والشرب والتنفس، بل إنّ الطفل أحياناً يفضّله على الأكل والشرب، كما أن اللعب الجماعي يجنب الأطفال من الوقوع في الملل، حيث يندمج الأطفال في اللعبة ويكونوا أكثر حباً واستمتاعاً بها من أي شيء آخر.
ويعد اللعب الجماعي ضرورة لنمو الأطفال وتطورهم، لأنه يوفر العديد من الفرص التي تساعد على نمو وتطوير المهارات الاجتماعية والإدارية والذهنية والبدنية لدى الأطفال، كما أنه يُعِدُّ الطفل للحياة من خلال مواقف التعاون والتنافس والصراع والمكسب والخسارة والنجاح والفشل والحزن والسعادة التي تحدث أثناء اللعب الجماعي، بالإضافة إلى أن الألعاب الجماعية توفر للأطفال اكتساب وتبادل المهارات، فلكل طفل طريقته الخاصة في التعامل مع الألعاب، وبهذا تتوفر فرصة تناقل المهارات بين الأطفال.
وتؤكد الدراسات الحديثة أن لعب الأطفال هو أفضل وسيلة لتحقيق النمو الشامل المتكامل للطفل ففي أثناء اللعب يكتسب الطفل مهارات التفكير المختلفة كالفهم والإدراك والتذكر والتحليل والاستنتاج والتركيب والتقييم والإبداع، وتعد مواقف اللعب بمثابة خبرات حسية عملية، والطفل يتعلم ويتذكر المعلومة التي ترتبط بالخبرة الحسية والممارسة العملية بشكل أفضل، وتؤكد نظريات النمو على أن اللعب خلال سنوات الطفولة المبكرة من عمر الطفل هو الإستراتيجية الأولى والأكثر كفاءة لتعليم الطفل وتنمية شخصيته، فاللعب يستثير حواس الطفل وينمي جسمه نمواً سليماً كما ينمي لغته وعقله وذكاءه وتفكيره، فعن طريق اللعب يستطيع اكتساب أصعب المفاهيم العلمية، كما يؤدي اللعب دوراً أساسياً في تنمية القدرة على الابتكار، فالطفل وهو يلعب يحول موقف اللعب إلى أمر جدي ويبرز كل قوته ويتعامل بكامل مشاعره، وعندما يلعب الأطفال فهم لا يهتمون بتحقيق هدف معين وإنما يكتسبون سلوكيات تلقائية تساعدهم على حل مشكلاتهم الحياتية، كما أن اللعب يكشف عن حالة الطفل النفسية ويقودنا إلى علاجها، ومن الفوائد الصحية للألعاب الجماعية أنها تقلل من مخاطر السمنة والسكري وأمراض القلب وغيرها من المشكلات الصحية المرتبطة بنمط الحياة الخامل.
كما تستخدم الألعاب الجماعية من قبل المعلمين كوسيلة للتعليم، مثل تعليم الحساب والحروف، وأسماء وأشكال وأصوات الحيوانات، وكذلك تعلّيم أنواع الفواكه وأعضاء جسم الإنسان والألوان، لا سيّما أنّ الطفل أثناء التعلّيم باللعب يكون له دور تفاعلي وليس مجرّد متلق سلبي كما يتم في التعليم التقليدي.
دور اللعب الجماعي في نمو شخصية الطفل
من أهم الأدوار التي يحققها اللعب الجماعي في نمو شخصية الطفل ما يلي:
الدور الاستكشافي
اللعب الجماعي يكشف عن شخصية الطفل بشكل عام، فالطفل أثناء اللعب يتصرّف بتلقائية مما يسمح للمربين والوالدين من التعرّف على جوانب شخصيته، لا سيما التعرّف على قدرات الطفل ومهاراته مثل: الذكاء والإبداع ومهارات الاتصال، والتعرّف على نقاط ضعفه مثل: الخجل والانطواء والأنانية وضعف التصرّف واليأس والإحباط السريع، بالإضافة إلى التعرّف على المشكلات النفسية والسلوكية للطفل مثل: العناد والعصبية الزائدة والعنف والعدوان والخوف ونقص الثقة بالنفس والكذب، كما أن الطفل يستكشف العالم الخارجي ويتدرّب على التعامل معه.
الدور الإنمائي
اللعب الجماعي ينمّي شخصية الطفل في جميع جوانبها الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية، ويمكن توضيح هذه الجوانب كما يلي:
- النمو الجسمي والحركي: تتطلب الألعاب الجماعية من الأطفال الانخراط في ألعاب بدنية مثل الجري والقفز والرمي والإمساك والركل والتسلق، وهذه الألعاب تساعد على تحسين المهارات الحركية والتنسيق والتوازن والتآزر الحسي الحركي واللياقة البدنية العامة وتقوية الجسم، فالألعاب الجماعية تنمّي مفهوم الذات الجسمي، من خلال تمرين أعضاء الجسم مما يساهم في نموّها وتقويتها وصحتها، كما ينمّي القدرات الحركية مثل المهارات اليدوية في لعبة الكرة الطائرة وكرة السلة وكرة التنس، ومهارات الرجلين في لعبة كرة القدم.
- النمو النفسي والعاطفي: تساعد الألعاب الجماعية الأطفال على تطوير الذكاء العاطفي من خلال تدريبهم على إدارة عواطفهم في بيئة تنافسية يتعلمون فيها التعامل مع النجاح والفشل بمرونة وتقبل، كما تنمو لديهم الثقة بالنفس وتقدير الذات وتحمّل الإحباط في حالة الفشل، وإظهار مشاعر المتعة والسعادة في حالة الفوز، والقدرة على التحدي والتغلب على المصاعب، ويتدرب الطفل كذلك على التحكم بالذات، من خلال احترام قوانين اللعب والالتزام بها، ومن ثمّ يتدرّب الطفل على احترام معايير الصواب والخطأ والحلال والحرام، وتنمية الصفات الخلقية، مثل: الصِّدق والأمانة والعدل، كما تنمو لديهم المرونة النفسية من خلال تبادل الأدوار والمهام والانتقال إلى الخطط البديلة عند الحاجة.
- النمو العقلي والمعرفي: تساعد الألعاب الجماعية الأطفال على تطوير مهاراتهم المعرفية، حيث يتعلمون تحليل المواقف بسرعة واتخاذ القرارات بناء على الخيارات المتاحة مما ينمي لديهم القدرات العقلية والمهارات الذهنية مثل: الانتباه، والإدراك، والتركيز، والتفكير والاستبصار، والتخطيط للمستقبل، والتفاوض وحل المشكلات واتخاذ القرارات، كما يتعرّف الطفل أثناء اللعب على المفاهيم الجديدة مثل: الأوزان والأطوال والمسافات والأحجام، وينمّي الجوانب الإبداعية مثل: حبّ الاستطلاع والابتكار.
- النمو الاجتماعي: توفر الألعاب الجماعية فرصة ممتازة للأطفال للتفاعل مع الآخرين وتقبلهم، وتطوير المهارات الاجتماعية مثل: التواصل الفعال والتعاون والعمل الجماعي والقيادة والتعاطف، والتعرف على عادات وقوانين المجتمع، حيث يتعلمون الدور المنوط بهم، والعمل ضمن فريق، واحترام نقاط القوة والضعف لدى بعضهم بعضا، وما يحدث داخل الفريق من التفاهم والتشاور والتعاضد والتضامن وتحقيق المكانة الاجتماعية.
- النمو اللغوي: تتاح للأطفال أثناء اللعب الجماعي لا سيما في الألعاب الثقافية والفنية الحوار في إطار الفريق الواحد، أو التحدّث مع الآخرين من الفريق المنافس، أو التعبير عن الأفكار والمشاعر بحرية في المواقف المختلفة، مما يسهم في نمو الثروة اللغوية للطفل والقدرة على التحدث بشكل مؤثر، وتمكين الآخرين من فهم ميوله وحاجاته وقدراته.
الدور الوقائي
اللعب الجماعي يقي الطفل من العصبية الزائدة لأنّ اللعب يفرحه، ويقي الطفل من النشاط الحركي الزائد، وليس اللعب مجرد تنفيس عن انفعالات مكبوتة وإنّما هو نشاط يؤدِّي إلى إعادة الاتّزان الحيوي والنفسي في حياة الطفل، كما يقي الطفل من الاضطرابات العضوية، ومشاعر الخجل، والاكتئاب، والمخاوف، والشعور بالوحدة، ويعبّر الطفل من خلال اللعب عن صراعاته اللاشعورية، مثل: الخوف من الأب أو الأُم، أو من المدرسة، أو من الحيوانات، ومن ثمّ يتم تدارك هذه المخاوف بسرعة، فبمجرّد تكسير اللعبة هو تعبير عن عدوان الطفل نحو الأب أو الأُم، والطفل الذي يكون عنيفاً في اللعب يكون لديه مشكلة نفسية، ومن ثمّ يتم تداركها قبل أن تتفاقم، والطفل الذي تقع منه اللعبة كثيراً ربّما يكون السبب في ذلك نوبة صرع صغرى تفقده التحكم بالأشياء، وفي هذه الحالة يجب التدخل لعلاجه، واللعب يقي الطفل من السوك العدواني، فالغضب يؤدِّي إلى العدوان غالباً، ولكنّ اللعب فيه تنفيس للغضب حتى لا يزيد ويتحوّل إلى عدوان، كما أن اللعب الجماعي يقي الطفل من الأنانية والتمركز حول الذات.
الدور العلاجي
- اللعب الجماعي يساعد الطفل في التخلص من النشاط الحركي الزائد وفرط الحركة، وذلك من خلال تفريغ الطاقات الجسمية والانفعالية الزائدة بل استثمار الطاقات الزائد بدلاً من إهدارها، فالطاقة تخرج إمّا في اللعب وإمّا في العدوان
- كما يساعد في التخلّص من العصبية، فاللعب يصفي صراعات الطفل اللاشعورية المكبوتة أثناء اللعب.
- كذلك يساعد الطفل في التعبير عن صراعاته بشكل مباشر، في حين أنّ الراشد يعبّر عن صراعاته بشكل غير مباشر للحفاظ على شكله وعلاقاته.
- كما يساعد الطفل في التخلّص من العناد، فعند اللعب يطلب الطفل من زميله رمي الكرة ثم يعيدها إليه ومع الاستمرار يتخلص من أنانيته وتمركزه حول ذاته، فيستجيب بسهولة وينفذ طلبات زملائه وأوامر قائد الفريق، ومن ثمّ يعتاد على تنفيذ الأوامر والنواهي ويقل عناده.
- كما أن اللعب الجماعي يخلّص الطفل من الخجل، والانطواء والشعور بالوحدة، والعنف والعدوان وذلك بتفريغ الطاقات السلبية مما يساهم في تكوين شخصية مستقرة عاطفياً واجتماعياً ومبدعة.
- ويخلّص الطفل من الاكتئاب عندما ينفتح مع زملائه ويشاركهم اللعب، وشعوره بحبّ والديه ومربيه عندما يسمحون له بممارسة اللعب.
- ويخلّص الطفل من المخاوف، فلو أنّ طفلاً يخاف من الغرق أثناء السباحة، ففي ظل الأجواء الجماعية وتجهيزه بأدوات السباحة وتدريبه مع زملائه لعدة مرات ستقل مخاوفه وتنتهي بالتدريج.
- كما يستخدم اللعب في الثواب والعقاب، فالثواب أن يقوم المربي بإشراك الطفل في اللعب في حالة مكافأته على سلوك جيِّد، وحرمانه من اللعب عند العقاب.
ختاما
تعد الألعاب الجماعية ضرورية لنمو الأطفال وتطورهم، لأنها تهيئ العديد من فرص النمو الجسمية والعقلية والاجتماعية والعاطفية مع تعديل نمط الحياة الصحي، لذا يجب على الآباء والأمهات والمربين تشجيع أطفالهم على المشاركة في الألعاب الجماعية من سن مبكرة لمساعدتهم على النمو، حتى يصبحوا أفراداً ذوي لياقة جسمية وعقلية ونفسية، الأمر الذي يمكنهم من المساهمة بشكل إيجابي وفعال في المجتمع.