10
الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ by abofares

أبناؤنا والقرآن

يكبر كثير من الأطفال وهم يشعرون بوجود فجوة ما تفصلهم عن فهم معاني القرآن الكريم، أو معرفة مقاصده، أو التدبر في آياته، أو استشعار عظمته، ويلجأ هؤلاء الأطفال في مساراتهم التعليمية والتربوية والفكرية إلى مصادر متعددة ينهلون منها العلم، ويغفلون القرآن الكريم كمصدر أساسي للإيمان والمعرفة، ومن هذا المنطلق كان لابد من التحدث عن الطفل وعلاقته بالقرآن الكريم، وكيف يمكن للمربي أن يربطه بكتاب الله فتصبح حياته تسير على هدى الله ونور منه.

الطفل والتكوين الإيماني أو العقائدي

يتعرف الطفل من بداية سنوات عمره الأولى على بعض المفاهيم الإيمانية الغيبية وذلك من خلال:

  • مراقبته والديه، فهو يرى ويسمع ويلمس ويشعر بكل ما حوله من خلالهما، وعبر هذه العلاقة يتعرف الطفل إلى الله سبحانه وتعالى، حين يجد والديه يصليان لله، أو يشاهد أمه ترفع يديها للسماء وتدعو، أو تقرأ في كتاب الله، ويلاحظ لهذه العبادات أفعالاً مخصصة، كالستر، وتحسين الصوت في تلاوة القرآن، والخشوع واستشعار السكينة والطمأنينة، قال تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ  [سورة الرعد: 28].
  • يطرح الطفل في سنوات عمره الأولى أسئلة كثيرة حول ما يشاهده، ومن خلال إجابات الوالدين والمحيط تبدأ المفاهيم لديه بالتشكل والنمو.
  • يبدأ الطفل بالربط بين الصلاة والقرآن وصوت الأذان مثلاً بمصدر واحد، فكلها سلوكيات يقوم بها الإنسان ليتقرب من الله، الله هو الخالق العظيم الذي يرانا ولا نراه، ويسمع كلامنا، ويحبنا، ولذلك فقد أنزل إلينا القرآن لنتدبر آياته، ونعمل بها نحن المسلمون الأفعال الصالحة والتي يكافؤنا عليها إن أحسنّا في فعلها.
  • تتزايد تساؤلات الطفل عن الله سبحانه وتعالى، ويبدأ مفهوم الغيب يتشكل  لديه تدريجيًا، وكلما كانت الإجابات قريبة من إدراكه، فهذا يساعده على التفكير والفهم، وفي هذا يحصل الخير والأجر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه [1]
  • يحاول الطفل التعرف على مضمون الآيات الكريمة من خلال قراءة والديه الجهرية، واستماعه لها، قد يلتقط بعض الكلمات التي يعرفها، وقد يسأل عن كلمات لا يعرفها، ما معنى كذا..؟ وهنا يأتي دور الوالدين في شرح هذه المعاني والمفاهيم بما يتناسب مع عمر الطفل وإدراكه، ومن الطبيعي أن يتعثر في القراءة أو اللفظ، وهذه فرصة لتذكيره بقوله : مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهدُه وهو عليه شديد فله أجران [2]

تقديم القرآن الكريم مصدراً للمعرفة

لابد من التأكيد أن ارتباط الطفل بالقرآن والسنة عملية مرتبطة بحياته منذ كونه جنينًا ثم طفلًا قادرًا على سماع القرآن الكريم، إلى أن يكبر ويبدأ يفهم معاني الكلمات، ويربط هذه المعاني بحياته ككل، ويستمع لقصص القرآن ويتفاعل معها، فتلامس وجدانه ومشاعره وعقله، وتملأ حياته بالمعاني العظيمة.

وهنا لابد من وقفات لازمة للمربي يقوم بها مع الطفل:

  1. أن يتمثل المربي مبادئ القرآن الكريم في حياته: فيكون القدوة التي تنهل من معين القرآن، وتتمثل آياته في سلوكها وأقوالها وسائر مواقفها، فيلاحظ الطفل هذه القدوة الطيبة، ويرى أمامه تطبيقًا عمليًا واقعيًا يشرح له ما خفي عنه من المعاني فيستشهد المربي بكتاب الله وسنة رسوله   إذا أقدم على أمر أو تراجع عن خطأ، أو وجّه نصحًا.
  2. أن يخصص المربي مع الطفل جلسة لتعلم القرآن الكريم، تتضمن حُسن تلاوته، وشرح معانيه، وتفسير آياته، وربطها بالحياة، ومناقشة هذه المفاهيم مع الطفل وتقريبها من ذهنه ما أمكن، وفي هذه الجلسة يستحسن حسن الإعداد والتحضير لها، سواء بالوضوء وحسن الهيئة والتعطر واختيار المكان الهادئ الذي يساعد على الإقبال والتعلم، كما يستحسن ألا يثقل على الطفل بمعلومات غزيرة بل يراعي التدرج في التعليم حسب العمر والتقبّل، ويراعي أن تكون جلسة خفيفة على القلب والروح، يخرج منها الطفل متزوداً بخير ما ينفعه علمًا وأدبًا..
  3. طرح الأسئلة وإتاحة البحث: وذلك من خلال ما يعترض الطفل من مواقف الحياة المتنوعة، فيطرح المربي سؤالًا يتيح من خلاله للطفل أن يبحث في السور والآيات الكريمة عن المعاني المطلوبة، فعلى سبيل المثال يمكنه أن يطرح سؤالًا على الطفل حول أهمية الصلاة، أو فضل برّ الوالدين، أو أهمية التواصي بالحق والتواصي بالصبر، أو أهمية التعامل الطيب مع اليتيم، ليبحث الطفل في مجموعة من السور القرآنية يحددها المربي، فيستخرج الآيات التي تتحدث عن ذلك، ويترسخ في ذهن الطفل ما أمر الله تعالى به عباده المؤمنين، مما ينفعهم في دينهم وحياتهم وعاقبة أمرهم، ومن الطبيعي مساعدة الطفل في البدايات على البحث حتى يتقنه، ثم تكليفه وحده بذلك، مع متابعته وتشجيعه ومكافأته على جهده واجتهاده.
  4. إتاحة المصادر والمراجع والقصص في مكتبة الطفل: وسواء كان توفرها ورقيًا في مكتبة الطفل أو إلكترونية في مجلد خاص، حيث يقوم المربي بإثراء وإغناء هذه المكتبة بما يلزم من كتب أو فيديوهات أو قصص نافعة أو تفسير ميسّر، مع مراعاة المرحلة العمرية للطفل، فإنها تغدو زوادته الأساسية لنيل العلم والمعرفة خاصة إن تم رفدها يومًا بعد يوم بكل جديد نافع في هذا المجال، وخاصة إن أدرك الطفل أن القرآن الكريم هو المرجع الأساسي له وفيه حلول كل المشكلات الإنسانية لما فيه من عظيم المبادئ والقيم والمثل التي إن تعلمها الإنسان صلحت حياته وآخرته.

أفكار عملية لربط الطفل بالقرآن الكريم

وهنا لابد من طرح بعض الأفكار العملية لربط الطفل بالقرآن الكريم:

البدء من القلب

أي غرس محبة القرآن الكريم في نفس الطفل، وذلك من خلال:

  • المداومة على الاستماع لآيات القرآن الكريم بصوتٍ حسن، وحبذا لو كان هنالك موعد يومي للطفل مع الاستماع لآيات القرآن العذبة، فتلامس وجدانه.
  • شرح معاني الآيات وتوضيح ارتباطها بالأخلاق والقيم والفضائل وكل ما ينفع الناس، فيدرك الطفل أن كلام الله فيه الخير للناس كافة في دنياهم وآخرتهم.
  • سرد قصص القرآن الكريم وقصص الأنبياء الواردة في كتاب الله، بأسلوب محبب، وشرحها للطفل، ويمكن تعزيز تلك المفاهيم بمشاهدة أفلام كارتون تشرح هذه القصص بأفضل طريقة، مع تحري المصادر الموثوقة، فيعيش الطفل مع القصة، ويتشبع بالقيم التي تحملها.
  • مكافأة الطفل كلما قرأ وتعلم شيئًا من كتاب الله، ويفضل أن يختار مكافأته بنفسه، ومن اللازم أيضًا امتداح الطفل والثناء عليه كلما تعلم في كتاب الله أو تقدم حفظًا وفهمًا وإتقانًا.

احترام كتاب الله

وهذا مبدأ أصيل في التربية، ويكون من خلال:

  • حسن الاستماع لكتاب الله، دون لغو أو تشويش أو مقاطعة، وأن يترسخ في نفسه مفهوم الفلاح الذي يحصده الإنسان من خلال تدبره في قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ  [سورة الأعراف:204]
  • الاستعداد لتعلم القرآن الكريم من خلال التهيؤ للجلسة بحسن الهندام والوضوء والتطيب والجلوس هادئًا خاشعًا مقبلًا على الله.

تلاوة القرآن الكريم

  • لابد من أن يكون ضمن جدول الطفل اليومي موعدًا خاصًا مع القرآن الكريم وتلاوته، مع متابعته في ذلك، أو تسجيله في حلقة قرآن في المسجد، أو توكيل أحد معلمي القرآن الكريم لمتابعته والعناية بتعليمه تلاوة القرآن الكريم وحفظ ما تيسر منه.
  • إشعاره بخصوصيته وتميزه، وذلك من خلال إهداء المربي للطفل مصحفاً خاصاً، فإن هذا مما يعلق قلبه بتلاوة القرآن الكريم.
  • تسجيل الطفل في مسابقات المدرسة للقرآن الكريم أو مسابقات المساجد، أو تسجيل صوته، وحثه على حسن التعلم وحسن التلاوة، وحسن التطبيق أيضاً.
  • تذكيره بمضاعفة أجر من يقرأ القرآن الكريم، وبرضا الله سبحانه وتعالى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : من قرأ حرفًا من كتاب اللَّه فله به حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ [3]

وختامًا: فإن رحلة الطفل مع القرآن الكريم رحلة ممتدة طوال حياته، وكلما حرص المربي على حسن الغرس واهتم بذلك، فإنه يضمن لطفله مستقبلاً آمنًا بحفظ المولى عز وجل، ويضمن له حياة عامرة بالخيرات والصلاح والفلاح، وكما أنه يجني خيرًا وبركة في العمر في الدنيا، سيجني خيرًا وشفاعة ورفعة درجات في الآخرة، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ : اقرءُوا الْقرآن فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه  [4]  وفي هذا يربح البيع.


[1] رواه البخاري.

[2] رواه البخاري (4653) ومسلم (798).

[3] صححه الألباني في صحيح الترمذي

[4] رواه مسلم: (804)