أساليب ووسائل مفيدة في تحفيظ القرآن للأطفال
يحظى التّعليمُ الّذي يركّزُ على تحفيظ القرآن الكريم -من مشاريع وبرامج وأكاديميّات- باهتمامٍ كبير من كثيرٍ من الدّاعمين على المستويين المادّي والمعنوي.
ولعلَّ السّببَ يعود إلى الإنجازات الظاهرة الّتي يحقّقها الحافظون من الصّغار والكبار من خلال حفظ الجزء ثمّ الجزء إلى أن يأتوا على حفظ القرآن الكريم كاملاً عن ظهر قلب.
وهذا عملٌ صالحٌ مبرور وأمرٌ محمودٌ مشكور يُحسب لكلّ من يشجّع ويدعم على تحفيظ كتاب الله تعالى وحفره في الصّدور.
لكن يغيبُ عن كثيرٍ من هؤلاء أنّ هذا الخير ينبغي أن يكون مقرونًا بأمرين:
- الأول: أن يكون إتقانُ التّلاوة شرطاً من شروط الحفظ وخاصّة لدى الصغار، حيث ينبغي أن يستقيم اللّسان على المخارج ويخلو من أيّ خطأ، وذلك لأن خطأ القراءة يترسخ في الذهن ويصعب تصحيحه في الكِبَر.
- الثاني: وهو التّدبّر أو معرفة معاني القرآن الكريم _ وهي الغاية من القراءة أو الحّفظ -بما يتناسب مع عُمْر الحافظ.
فالطّفل مثلًا في سنيّ الخامسة والسادسة والسابعة يمكن أن يتعرّف على بعض الكلمات الغريبة والّتي عادةً ما يُسأل عنها، وفي سِنّ أكبر ينبغي أن يعرفَ الكلمات الغريبة كاملة، وفي سِنّ أكبر ينبغي أن يُطالع تفسيرَ بعض الآيات من كتب تفسير ميسّرة، مثل ابن كثير والجلالين، وفي سنّ الشباب يمكن أن ينتقل إلى أسباب النّزول والبلاغة.
أمّا أن يكون الحفظُ للحفظ فقط فنكون قد أبعدَنا النُّجعة وأخطأنا الهدف.
وقد كان للشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – تعقيب مهمّ على نظرته في تحفيظ الأطفال القرآن من دون وعي، في كتابه: (كيف نتعامل مع القرآن؟)، فهو يؤكد ضرورة إيجاد طريقة مبسطة سهلة للأطفال، تربط الحفظ بالإدراك لمعاني القرآن بما يلائم سنّ الطفل، حتى ينشئ الطفل من البداية وهو مدرك ما يقرأ، وذكر أنّه عندما كان في العاشرة من عمره، كان يقرأ: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا [الإسراء:13]. وكان يظن أنّ هناك طائراً ما كالغُراب أو الحمام بعنق كل إنسان. ويرجع ذلك إلى تجريد الحفظ من المعنى.
محتويات المقالة
الأخذ بالأسباب لتحفيظ الأطفال القرآنَ الكريم:
قبل إخضاعِ الطّفل إلى برنامج حفظي لا بدّ من أسباب يأخذ بها الوالدان، وإنّني أوجزها بالآتي:
- وعاء القرآن: إنّ القرآن الكريم كلامُ الخالق عزّ وجلّ، وهو أقدسُ الكتبِ وأعظمُها، وهذا يدعو إلى أن يكون الوعاءُ الحاملُ له طاهرًا نقيًّا، فالبدء في التحمّل يكون مع الجنين، يقول الدكتور جميل قدسي الدويك: إنّ الدراسات أثبتت أن الجنين يبدأ بالسمع في نصف الشهر الرابع من الحمل، وأولُ ما يسمع نبضات قلب أمّه، ثم يملّ من ذلك، إلى أن يسمع الأصوات الخارجية، لذا ينصح بأن تُسمِعَ الأم الجنين سورةً قصيرةً، وتكرر عليه ثلاث مرات يومياً ويبقى عليها حتى آخر الحمل.
وفي هذا الصدد تذكرُ الدكتورة أماني زكريا الرمادي في كتابها (كيف نُعين أطفالنا على حبّ القرآن الكريم؟): أنَّ التجارب الشخصيّة التي ترويها الأمهات تؤكد أن الجنين يتعلّق بالقرآن الكريم إذا كانت أمّه تستمعُ إلى القرآن الكريم كثيراً، أو تتلوه بصوتٍ مسموع، ويميِّز صوتَ القرآن من بين الأصوات، وينجذبُ إليه حين يسمعه وهو لا يزال رضيعًا، مما يعزز ارتباط الطفل وجدانيًا وعاطفيًّا بالقرآن في المستقبل.
- التّحفيز على التّحفيظ: ويكون بعدَّة وسائلَ وطُرق، منها:
- تخصيصُ مكافأة مُجزية للطفل عقِبَ كلِّ سورة أو جزء يحفظه.
- الحرصُ على أن يحضرَ الطّفلُ المناسبات والاحتفالات التي يُكرَّم فيها الحَفَظة سواء في الواقع أو على وسائل التّواصل؛ لأنّ ذلك يحفّزه على الحفظ، ويعزّز في نفسه إكبارَ وتعظيم القرآن الكريم.
- الطّلب من الأطفال الإمامةَ في الصلاة على وجه التعليم وقراءة القرآن على المأمومين من نظرائهم الصغار، وفي ذلك فوق التحفيز والتعزيز بناءُ الشخصية القرآنية.
- تمليك الطفل مصحفاً خاصّاً به، لأنه يحبّ التملك، والطلب منه المحافظة عليه ووضعه في مكانٍ خاص به.
- تخيّر الشّيخ الحافظ: ولعلّ ذلك من أدقِّ الأسباب وأهمّها، فعلى الوالدين أن يتخيّرا لطفلهما شيخًا يتوفّر فيه ثلاثة شروط على الأقل:
- التّقوى والورع والعقيدة الصّحيحة.
- الإلمام بعلوم الشريعة واللّغة العربية.
- ألّا يكونَ كبيرًا في السّنّ، ذلك لأنّ الكبار في السّنّ يتضجّرون عادةً من شغب الصّغار فلا يحتملونهم، خلافًا للحفظة الشّباب الذين هم أكثرُ احتواءً ومداراة.
- الدّعاء: من مُجلبات التوفيق الدعاءُ والتضرّع بين يديّ الله تعالى لإصلاح الذّريّة وتثبيت القرآن الكريم في قلوبِهم والعمل به. وهذا لما للدعاء من فائدة في توفيق الأولاد، وقد جاء في الحديث: ثلاثٌ دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوةُ المظلوم، ودعوةُ المسافر، ودعوةُ الوالد لولده [سنن ابن ماجة].
وسائل وأساليب لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال
من خلال عصارة تجارب ومطالعات عدّة يمكن ذكر أهمّ وسائل وأساليب تحفيظ الأطفال للقرآن الكريم:
- التّكرار: من الوسائل المعينة على حفظ كتاب الله تكرار الطفل للآيات الّتي سيحفظها بشكل فردي أو مع جماعة من الأطفال ويطلب الشّيخ منهم ترديد الآيات المطلوب حفظها وتكرارها مراراً، وذلك لأنّ الحماس يُثار من خلال وجود الجماعة.
- الحفظ على قدر الاستطاعة: لأن قدرات الأطفال في التحصيل تتباين بين طفلٍ وآخر، وعلى الشيخ والوالدين تحديدُ القدر المأمول حفظه من الطفل من غير تكليفه بما لا يستطيع، فمن كان قادرًا على حفظ نصف صفحة في اليوم فلا يُكلّف بحفظ صفحة، ولعل من الجيد هنا مشاركة الطفل معلمه أو والديه في تحديد القدر الذي سيتمكن من حفظه ليكون ذلك دافعًا له وبمثابة الالتزام الأخلاقي بحفظ المطلوب.
- برنامج المتابعة: وُصِف القرآن الكريم بأنه سريعُ الحفظ سريع التفلّت، ولقد حثَّ رسول الله على تعاهده خَشية النسيان فيما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله قال: إنما مثلُ صاحب القرآن كمثل صاحبِ الإبل المُعَقّلة أي: المشدودة بعقال إن عاهدَ عليها أمسكَها وإن أطلقها ذهبتْ . كأن يحفظ مثلًا في الأسبوع ثلاثة أيّام ويراجع ثلاثة أيّام.
- وسائل الإيضاح والشّاشات الإلكترونية: فعلى أولياء الأمور أن يستفيدوا جهدَ استطاعتهم من تقنيات الشبكة العنكبوتية والبرامج القرآنية ومهارات تعليم الأطفال، مثل خاصيات السماع والتكرار والكتابة للآيات ونحو ذلك.
- إقران الحفظ بالمعنى بما يناسب عمْرَ الطفل ومستوى إدراكه: لأنه توسيع مخيال الطفل بالنسبة للآيات التي يحفظها سببٌ من أسباب تثبيتها في ذاكرته. فيضاف له معاني الغريب، أو أسباب النزول، أو الأحاديث التي ترتبط بالآيات وهكذا بحسب المرحلة.
- الاهتمام بالقَصص القرآني: عُرفت القصة بقوة سيطرتها على ذِهن المستمع وخاصّة عند الصغار، لذا يمكن أن يقصّ الشيخ أو أحد الوالدين القَصص القرآني المناسب للآيات المطلوب حفظها من الأطفال بطريقة مشوّقة، ويمكن مشاهدة هذا النّوع من القصص على الشّبكة العنكبوتيّة، مع توخّي الحذر، لكثرة السّموم والسّامّين الّذين يدسّون سمّهم في العسل.
- المحافظة على مصحف واحد ورسم قرآني واحد من دون تغييره طيلة مدّة الحفظ يساعد على تثبيت الحفظ والمراجعة
خلاصة: ينبغي أن يعلمَ الوالدان أنَّ أكثرَ ما يعزّي النفس ويسليها في المشاقّ العظيمة للزواج والتربية الولدُ الصّالح، وأنّ مشروع ولدٍ صالح حافظٍ للقرآن الكريم هو من أنجح المشاريع في الدنيا والآخرة، فقد جاءَ في حديث بريدة الأسلمي عن النبي أنه قال عن صاحب القرآن: ويوضعُ على رأسِه تاجُ الوَقار، ويُكسى والدَاه حُلَّتين لا يُقَوَّم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بمَ كُسينا هذه؟ فيقال: بأخذِ ولدِكما القرآنَ، ثم يقال له: اقرأ واصعد في دَرجة الجنة وغُرَفها، فهو في صعود، ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا [مسند أحمد].
وكذلك لابدَّ أن يُلاحظ الوالدان أنّ الأولاد ليسوا على مستوى واحدٍ من الذكاء والمواهب، وأنّ هناك ظروفًا كثيرةً تلعب دورًا كبيرًا في هذا الشأن مِن مثل البيئة والمجتمع والتّحفيز والقدرات والهوايات، لِذا عليهم ألّا يضغطوا بشدّة على الصّغار لإجبارهم على التّحفيظ، لأنّ الإجبار يؤثّر غالبًا بشكلٍ سلبيّ على الطّفل، فيملّ في وقتٍ مبكّر، وقد يهجر القرآن فيخفقُ الوالدان في أكبر أحلامهما.