مقال 6
السبت 16 ربيع الثاني 1446هـ by ajjaj

الروتين اليومي للطفل وإدارة الوقت

أنه مدعاةٌ للملل والتضجّر، وهذا في المراحل العمُرية الواعية التي تعقبُ مرحلةَ الطفولة، وخاصةً مرحلة الشباب، حيث ينزعُ الشاب بحكم الحماس الذي يتمتع به إلى محاولة كسرِ الروتين ومخالفة العادات اليومية، والميلِ إلى التغيير والفضول.

أمّا بالنسبة لمرحلة الطفولة، فإن الأمرَ مختلفٌ، حيث يُعدّ الروتين بالمجمل أمرًا ضروريًّا في حياة الطفل، من أجل تأسيسه وتهيئته لحياة طبيعية، أو حياة أفضل.

الروتين اليومي لدى الأطفال وأهميته في حياة الطفل:

إنَّ مرحلة الطفولة هي مرحلة غرس القيَم وتأسيس الخيال النفسي والعاطفي الذي يمتد طيلةَ عمر الإنسان، لذا لابد في هذه المرحلة من التكرار مرارًا للأعمال اليومية إلى أن يعتادها الطفل، وتصبح جزءًا أساسيًّا من نظامه اليومي. وإنّ ممارسةَ هذه الأعمال بشكلٍ متكرر والمحافظة عليها من دون التذكير بها فيما بعد هي ما يسمى بـ “الروتين”.

وتبرز أهمية الروتين في حياة الطفل من خلال النقاط الآتية:

  • إنّ عدم معرفة الطفل لما سيفعلُه في اليوم التالي يسبب له توترًا يزجّه في قلق نفسي، أمّا عندما يملك روتينًا فإنه سيتجنب الضغط النفسي الذي يفرضه وفرة الوقت الذي لا يعرف الطفل ما يصنع فيه، وبالتالي يشعر بالأمان.
    وحسب تقرير نشرته صحيفة «مترو» البريطانية: «فإنّ الأشياء التي نقوم بها دون تفكير، لأنها مجردُ جزء من روتيننا اليومي، تتطلب الدافع، لذلك من الناحية النظرية، إذا استطعنا جعل الأشياء التي نريد القيام بها لأنفسنا روتينية، من خلال تكتيكات مثل تكديس العادات، فلن نضطر حتى إلى التفكير في عدم القيام بهذه الأشياء… سنفعلها تلقائيًا».
  • إنّ الروتين لدى الأطفال يكسر حدّة العناد لديهم، ويعوّدهم عندما يكبرون على التقبّل أكثر من الاعتراض. هذا إذا عرفنا أن أكبر المشاكل النفسية التي يتعرض لها المراهق هي بسبب الاعتراض والتعنّت.
  • يفيد الروتين في ترسيخ المبادئ والقيَم التي يتلقاها الطفل من محيطه، حتى إذا ما كبر أضحت جزءًا رئيسيًّا من كيانه. يصدق عليه مقولة:” مَن شبّ على شيء شابَ عليه”.
  • يجني الروتين منافعَ كثيرة في الصّغر، قد لا يتمكّن الكبيرُ على حصول مِعشارها، من مثل روتين الحفظ مثلًا، فإننا نرى أطفالًا حفظوا القرآن الكريم وكثيرًا من متون اللغة والنحو وهُم في سنٍّ صغيرة.

الروتين النافع والروتين الضّار

ليس كل روتين يُعتد به، فكما يوجد روتين نافعٌ فهناك روتين ضار، يفسد على الأطفال حياتَهم، ولابد من كسره وعزله. من أمثلة الروتين النافع على سبيل التمثيل لا الحصر:

من ناحية العادات:

  • النوم باكرًا والاستيقاظ باكرًا، وترتيب أغطية النوم بعد الاستيقاظ.. وقد كان رسول الله يدعو بالبركة للمبكّرين: اللَّهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورِها1 صحيح أبي داود..
  • النظافة بما في ذلك غسل اليدين قبل الطعام وبعده والاستحمام كل بضعة أيام.
  • قضاء وقتٍ يوميّ لممارسة الرياضة.
  • القراءة والكتابة اليوميّة. وما لها من منافع جمّة على العقل والصحة النفسية.

من ناحية العبادات والطاعات:

  • المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والتسمية والأكل باليمنى، والأكل مما يلي الآكل، تطبيقًا لقول رسول الله: يا غلام، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك 2أخرجه البخاري ومسلم..
  • اعتياد الصلاة في المساجد، فهذا الروتين يجعله يتعلق بالمساجد عندما يكبر، ويحظى بالجائزة العالية التي قال فيها رسول الله : سبعةٌ يظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَ إلا ظلُّه وعدّ منهم: رجل معلّق قلبه بالمساجد3أخرجه البخاري ومسلم..
  • روتين الصدقة لدى الأطفال، كأن يعتاد الطفل مثلًا على وضع صدقة في صندوق الصدقات في المسجد بعد صلاة الجمعة.

من ناحية المعاملات:

  • المداومة على الصدق وكراهية الكذب في علاقته بمحيطه مهما كان الموقف صعبًا؛ لأن الصدق مطلب أساسي وهو سيد الفضائل، وقد جاء الحض على الصدق في عدد كبير من نصوص الشرع، منها قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
    وقول رسول الله : عليكم بِالصِّدق، فإنّ الصِّدق يهدي إلى البِرِّ، وإنّ البِرّ يهدي إلى الجنّةِ، وما يزال الرّجلُ يَصدق ويتحرّى الصِّدقَ حتّى يُكتب عند اللّه صدِّيقا 4رواه البخاري ومسلم..
  • استقبال الضيوف ومصافحتهم وإكرامهم. وفي الحديث:” مَن كان يُؤْمن بالله واليوم الآخر فلْيُكرم ضَيْفه”5رواه البخاري ومسلم..

الروتين الضّار

إنّ تعويدَ الأطفال على عادات قبيحة أو مبادئ لا تتفق مع الدين والفضيلة، يكسبهم روتينًا مؤذيًا لهم ولمجتمعهم. من أمثلة الروتين الضّار:

  • السعال والعطاس من دون وضع اليد أو منديل على الفم، لما له من نشر الجراثيم في الفضاء أو في وجهِ الجلساء.
  • الدراسة أو الأكل في الفراش، وهذا يعودّه على الكسل والخمول.
  • رمي ثيابه في أرض الغرفة، بدلًا من تعليقها في أماكنها المخصصة. فإن ذلك يعوّده على الفوضى في حياتِه، ويسبب له الفشل.
  • الجلوس ساعات طويلة للمشاهدة على الشاشات الصغيرة أو الكبيرة. يسمح به بعض أولياء الأمور ليرتاحوا من ضوضاء الأطفال، وهذا من الخطورة بمكان على نفسيتهم وأبصارهم.
  • تعويده على شراء كل ما يراه في السوق، وهذا يعوده على وجوب أخذ كلِّ ما يريد. حتى إذا تعسّر الوضع المعيشي، ولم يعد الوالد قادرًا على شراء كل ما يريده أصيب بالخيبة والانتكاسة، وهذا يعطل فاعليته لوقت طويل.
  • الصراخ أثناء الغضب، والكلام النابي وربما الشتم والكفر. والخطورة تكون عندما يعتاد ذلك في الكبَر، فقد يشتاط به الغضب فيطلّق أو يكفُر أو يَقتل. وهذا يعارض تعاليم رسول الله في قوله: إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلس، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلاَّ فلْيضْطَجِعْ6صحيح أبي داود..

الروتين وتنظيم الوقت في حياة الأطفال

لا يوجد أغلى من الوقت، لأنه هو رأس مال الإنسان في حياته، بل هو الإنسان نفسه، ورحم الله الإمام الحسن البصري الذي كان يقول: “يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك”.

وفِي مصنّفِ ابن أبِي شيبة عن عبد الله بن مسعودٍ  أنّه كان يقول: “إنِّي لأمقت الرّجل أن أراه فارِغًا، ليس فِي شيءٍ مِن عملِ الدّنيا، ولا عملِ الآخِرةِ”.

ثم إنّ الطفل لا يشعر بقيمة الوقت، ولا يعي الخسارة الكبيرة التي قد يُمنى بها إذا ضيّع وقته سدى، بل على الوالدَين أن يعوّداه على تنظيم وقتِه من خلال روتين وقتي، لا يسمح له بأن يمضي وقتًا طويلًا من دون تنظيم، ومن دون معرفة ما يريد.

ويمكن أن نعوّد الأطفال على احترام الوقت واستثماره من خلال النقاط الآتية:

  • وضع رزنامة يوميّة للطفل، بحيث يُذكر فيها العمل والوقت والمدة. تُقرأ على مَسمع الطفل قبل النوم.
  • ترك مكان فارغ في الرزنامة ليملأه الطفل بما يريد في خطوة تعويده على الاختيار.
  • الطلب منه ضبط المنبه ووضعه قريبًا من مكان نومه للاستيقاظ باكرًا. وهذا ينمّي فيه قيمةَ استثمار الوقت.
  • تطبيق المكافأة والعقوبة في نهاية اليوم بناءً على تقويم الروتين اليومي. فالطفل الذي أنجز أكثر من ثلاثة أرباع مهامِه مثلًا يُكافأ، والذي قصّر يعاقب. وهذا يزرع في نفسه أنه نجح في استثمار وقته، فاستحق لذلك مكافأة، أو ضيّع وقته فاستحق العقوبة.
  • وضع إشارة في الرزنامة تفرّق بين روتين الواجبات وروتين العادات والمباحات. ليحرص على تنفيذ الواجبات، وبالتالي يشعر بقيمة الوقت الممنوح له لتحقيقها.
  • المتعة في تنفيذ الروتين اليومي، من مثل استعمال الطفل لأقلام التلوين إذا كان المطلوب منه تلوين رسوم معينة. أو اللعب عن طريق الركض والاختباء ونحوه.. فإن وجود المتعة في الروتين يوفر الوقتَ وينتج النجاح.

إن تعويد الطفل منذ نعومة أظفاره على الاستيقاظ وتناول الطعام والتجهز للمدرسة والرجوع والنوم كل ذلك ضمن أوقات محددة. يساعده على تنظيم وقته والاستفادة من وقته استفادة كاملة خلافا للذين ليس لهم نظام في حياتهم.

نموذج تطبيقي عن التأصيل الشرعي لقيمة الوقت في حياة الأطفال

إنّ التلازمية بين الصلاة المفروضة والوقت الممنوح لها شرطٌ لأداء هذا الفرض، لذلك قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [النساء: 103].

أي إن لكلّ صلاة من الصلوات الخمسة وقتاً تتعلق به، إذا جيء بها خارجَه سميت قضاءً وليس أداءً.

وهنا يأتي حديث رسول الله الذي يدعو فيه إلى روتين الصلاة للأطفال في قوله: مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْر، وفرقوا بينهم في المضاجع 7رواه أحمد وأبو داود..

وهذا الأمرُ يحتاج من الوالدين ترسيخًا في نفوس الأطفال من خلال وسائل التحفيز، حتى يستقر في أذهان الأطفال أمران، الأول ضرورة الصلاة وأنها عماد الدين وتعبير مهم عن طاعة المخلوق لخالقه. والأمر الآخر القيمة الثمينة من الوقت، إذ إن لكل صلاة وقت. وبهذا يتعلّم الطفل الواجب عليه أو المباح له مقرونًا باحترامه لوقته.

توصيات ختامية

  • لكي يلعب الروتين دورًا مهمًا في تصحيح وترسيخ العبادات والقِيم في حياة الأطفال؛ لابد أن يوضع مناسبًا لأعمارهم وقدراتهم. ورضي الله عن ابن مسعودٍ إذ يقول: “ما أنت بمحَدِّثٍ قَومًا حديثًا لا تبلُغُه عُقولُهم إلَّا كان لبَعضِهم فِتنة”.
  • الصبر والاصطبار على روتين الأطفال، لتصبح الأعمالُ أمرًا هيّنًا وممتعًا. وقد قال الله تعالى آمرًا نبيّه ، ومعلِّمًا لنا: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه: 132]. والاصطبار هو أشد من الصبر، بل هو الصبر بعد الصبر.
  • يعيش روتين الأطفال فترة طويلة، ربما تمتد إلى كامل حياة الإنسان إذا تخلله اللهو المباح، لذلك كان يقول رسول الله لحنظلة : ساعةً وساعة8رواه مسلم..
  • كما قيل “فاقد الشيء لا يعطيه”. فلو كانت حياة الوالدَين عشوائية غير منظّمة فإن ذلك سيتعدى إلى الأطفال بطبيعة الحال، ولن ينجحوا في صنع روتينهم المفيد.
  • في ظاهرة الانفتاح الإلكتروني وتوفر الاجهزة في أيدي الأطفال لابد من تقليص وقت المشاهدة بعد تخيّر المحتوى الأهم والأصلح. نسأل الله أن يحفظ أبناءنا من كل سوء9مراجع للإفادة والتوسّع: https://cutt. us/fsXh9 https://cutt. us/UxgQT https://nash2ar. com/7-benefits-routine-your-childs-life/ https://cutt. us/Z5j6a ـhttps://metro. co. uk/2022/05/22/why-having-routines-is-so-important-for-your-mental-health-16686972/.
  • 1
    صحيح أبي داود.
  • 2
    أخرجه البخاري ومسلم.
  • 3
    أخرجه البخاري ومسلم.
  • 4
    رواه البخاري ومسلم.
  • 5
    رواه البخاري ومسلم.
  • 6
    صحيح أبي داود.
  • 7
    رواه أحمد وأبو داود.
  • 8
    رواه مسلم.
  • 9
    مراجع للإفادة والتوسّع: https://cutt. us/fsXh9 https://cutt. us/UxgQT https://nash2ar. com/7-benefits-routine-your-childs-life/ https://cutt. us/Z5j6a ـhttps://metro. co. uk/2022/05/22/why-having-routines-is-so-important-for-your-mental-health-16686972/