1
الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ by abofares

نحو بناء شخصية سوية لأطفالنا

تعد مرحلة الطفولة من أهم مراحل حياة الإنسان، فهي مرحلة جوهرية وأساسية لتكوين شخصيته، وتعتمد عليها مراحل النمو اللاحقة، كما تعد الأسرة النواة الأولى للمجتمع، وأقوى الجماعات تأثيراً في تكوين شخصية الطفل وتوجيه سلوكه، وهي المؤسسة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تنشئة الطفل وصياغة شخصيته وتنمية مهاراته، فإذا تهيأت الظروف الأسرية للقيام بأدوارها نتج عن ذلك شخصيات سوية وصالحة في المجتمع.

وسنتناول في هذا المقال دور الأسرة في نمو الشخصية السوية للطفل، لا سيما دور الوالدين، ويقصد بالشخصية السوية؛ التوافق التام بين الوظائف النفسية المختلفة، والقدرة على مواجهة الأزمات النفسية مع الإحساس الإيجابي بالسعادة، كما تعني مدى نجاح الفرد بإحداث توافق داخلي بين دوافعه المختلفة وتوافقه الخارجي في علاقته مع البيئة، وتتحدد الشخصية بالوراثة والبيئة، إلا أن الوسط الاجتماعي الذي نشأ فيه الطفل له الدور الأبرز في تشكيل شخصيته.

وتقوم الأسرة بالدور الأكبر في تيسير تفاعل الطفل مع بيئته الاجتماعية واكسابه المهارات والقيم والاتجاهات والآداب الاجتماعية وأنماط السلوك المختلفة، ولا يقتصر أثر الأسرة على الجانب التربوي فحسب، وإنما لها تأثير واضح على البناء العلمي والمعرفي للطفل، ففي ظل الترابط والتماسك الأسري، تتشكل علاقة الأبناء بالآباء والأجداد والأعمام والأخوال والعمات والخالات مما ييسر لهم طلب العلم واكتساب الخبرات والمهارات داخل العائلة الممتدة، وعندما ينشأ الطفل في بيئة عائلية مستقرة، تشبع حاجاته وتلبي تطلعاته وطموحاته، ويشعر بالأمان والحب والتقدير، فإن ذلك يسهم في نمو شخصيته نمواً سوياً. [1]

معايير الشخصية السوية

الشخص السوي هو الذي يتمتع بالصحة النفسية ويتوافق مع المجتمع الذي يعيش فيه، ويحقق التوازن بين حاجاته وقدراته ومتطلبات البيئة المحيطة، ويمكن تحديد معايير الشخصية السوية بما يأتي:[2]

  1. التوافق الذاتي: وهي قدرة الفرد على فهم نفسه ورغباته ودوافعه وأهدافه، بما يحقق موازنة ناجحة تجعله راضياً عن نفسه ومحيطه ومقدراً لذاته.
  2. التوافق الاجتماعي: ويتمثل بقدرة الفرد على إقامة علاقات اجتماعية مقبولة، تتصف بالمحبة والتعاون والتسامح، والتناسق بين معايير الفرد ومعايير المجتمع، بما يحقق له الأمن والطمأنينة.
  3. التعامل مع الإحباط: وهي قدرة الفرد على تحمل الإحباط الناتج عن الأزمات والشدائد والعوائق، دون ظهور سلوكيات غير سوية مثل التهيج والعدوان والنكوص.
  4. الشعور بالطمأنينة والرضا: ويتحقق من خلال استمتاع الفرد بحياته وعمله وأسرته والمجتمع الذي يعيش فيه.
  5. الكفاءة في العمل: ويتمثل بالقيام بأعمال تتناسب مع إمكانياته وقدراته، وكذلك المساهمة في محيطه الاجتماعي بإيجابية، والعمل على تحسينه وتطويره.

العوامل المؤثرة على نمو الشخصية السوية للطفل

يتأثر الأطفال بالمناخ الأسري والجو السائد داخل الأسرة، فعندما تكون البيئة الأسرية مستقرة وسعيدة وداعمة فإنها تمثل بيئة نفسية ملائمة لنمو أطفال أسوياء في جميع الجوانب الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، حيث يأخذ كل طفل حقه من الحب والحنان والرعاية والاهتمام، بالمقابل تعد الأسر المضطربة بيئة نفسية سيئة للنمو، فهي مرتع خصب للاضطرابات السلوكية والنفسية والاجتماعية ونمو شخصيات غير سوية، ويتأثر نمو الشخصية السوية للطفل بعدد من العوامل والمؤثرات أهمها ما يلي:

  1. إشباع حاجات الطفل النفسية، لاسيما حاجته إلى التقبل والحب والحنان والانتماء وتحقيق الذات والاستقلال، وتقبله لذاته.
  2. توجيه الطفل وإرشاده باستمرار كي يتمثل ويقلد السلوك السوي، ويتجنب السلوك الخاطئ.
  3. تبصير الطفل بذاته و إمكانياته واستعداداته وميوله واتجاهاته، ومساعدته على تنمية قدراته واكتساب الخبرات المختلفة.
  4. مساعدة الطفل على تكوين اتجاهات ومعتقدات وأفكار إيجابية نحو نفسه ومجتمعه والحياة بشكل عام.
  5. تشجيع الطفل على ممارسة الأنشطة المناسبة لقدراته وإمكاناته وميوله ورغباته وحاجاته.
  6. اكساب الطفل الضمير الاجتماعي والشعور بالانتماء والولاء لأسرته ومجتمعه.
  7. إقناع الطفل بتقبل واتباع تقاليد وعادات وقيم مجتمعه وتمثلها والعمل على بقائها واستمرارها.
  8. اكساب الطفل مهارات التفاعل الاجتماعي، واحترام حقوق الآخرين والمشاركة الاجتماعية، والمحافظة على النظام والضوابط الاجتماعية بقناعة وإيجابية.

دور الوالدين في نمو الشخصية السوية للطفل

يقوم الوالدان بالدور الأساس في بناء شخصية الطفل وتنمية قدراته، فالطفل منذ ولادته مرتبط بوالديه باعتبارهما مثالاً للقوة والمعرفة، ويعبر عن رغبته في أن يكون مثلهما في كل شيء، لأنهما يشبعان حاجاته الأساسية من الحب والحنان والشعور بالأمن، وفي حالة غياب أي منهما يشعر الطفل بالقلق والاضطراب النفسي والانطواء والعدوانية وغيرها من الاتجاهات السلبية نحو الذات أو نحو الآخرين. ويقوم الوالدان بإدارة الأسرة، وتحمل مسؤولياتها، وتوفير بيئة صحية وآمنة للعيش الكريم، والتأكد من سلامة الأطفال واستقرارهم، وتعزيز العلاقات الأسرية، كما يمثلان مصدر الأمان والاستقرار، والمثل الأعلى في الالتزام بالنظام والدقة في العمل وتحقيق الأهداف والسلوك السوي والأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة، ويجب على الوالدين ممارسة أساليب تربوية صحيحة تشبع حاجات الطفل الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، حتى يسهمان في تشكيل شخصيات سوية، ومن أهم الأدوار التي يجب أن يقوم بها الوالدان في نمو الشخصية السوية لأطفالهم، ما يلي[3]:

  1. تقبل الأطفال كما هم: يقصد به الود ودفء المعاملة الوالدية مع أطفالهم مما يسهم في شعورهم بالأمن والثقة بالنفس والتواصل مع الآخرين والتعاون معهم، ويتحقق التقبل من خلال تعبير الوالدين عن حبهم للطفل، وتقدير رأيه وإنجازاته والتجاوب معه والقرب منه ولطف الحديث معه والثناء عليه والفخر بتصرفاته ومداعبته واستخدام الحوار لإقناعه، والبعد عن الاستياء منه أو الغضب من تصرفاته أو الضيق من أفعاله أو إشعاره بعدم الرغبة فيه، أو الميل إلى انتقاده أو التقليل من قدراته أو إظهار النفور من وجوده.
  2. ترشيد نزعة الأطفال إلى الاستقلال: يتضمن منح الأطفال قدراً من الحرية لتنظيم سلوكهم، وعدم إجبارهم على الالتزام بقواعد ونظم معينة دون مراعاة لرغباتهم، ومساعدتهم على تكوين أراء مستقلة خاصة بهم، بحيث يكونون قادرين على اتخاذ القرارات والتمييز بين الصواب والخطأ، والجائز والممنوع، والتمتع بالاتزان الانفعالي.
  3. ممارسة الشورى داخل الأسرة: يتضمن أسلوب الشورى مناقشة الوالدين لأولادهم في أمور حياتهم، ومنح قدر كافٍ من حرية الاختيار واتخاذ القرار، وعدم فرض النظام الصارم على الطفل أو كبح إرادته أو إجباره على التصرف وفق رغباتهما معتمدين على سلطتهما الأبوية، وقد أثبتت الدراسات أن أسلوب الشورى داخل الأسرة يشيع جو من الثقة المتبادلة والتجاوب التلقائي بين الوالدين والأولاد، وتكوين مفهوم ذات إيجابي لدى الطفل، كما ينمي الشعور بالمسؤولية والتعبير عن الرأي بحرية، والثبات الانفعالي والاندماج مع الآخرين.
  4. اتفاق الوالدين في أسلوب معاملة الطفل: يقصد به ثبات الوالدين في أسلوبهما مع الطفل في المواقف المتشابهة، وعدم تناقضهما، فيجب أن يتفقا مثلاً على الثواب مع السلوك الصحيح، والعقاب – دون قسوة – مع السلوك الخاطئ، مما يؤدي إلى قدرة الطفل على معرفة إيجابياته وسلبياته، واكتساب مهارات السلوك السوي واتخاذ القرارات الصحيحة دون تردد، كما يؤدي إلى نمو السلوك القيادي ومشاعر التفاؤل والاتزان الانفعالي.
  5. العدالة في معاملة الأطفال: يقصد بها المساواة بين الأولاد في الحب والتوجيه والإرشاد والعطاء والمساعدة ومنح الصلاحيات والمزايا والهدايا، كما تعني تنمية مشاعر الأخوَّة فيما بينهم، مما يؤدي إلى انتشار الحب والتفاهم والتعاون والإيثار بين الأولاد والثقة فيما بينهم والشعور بالأمن النفسي والطمأنينة.
  6. تقدير الأطفال: يتضمن ثناء الوالدين على الطفل وإظهاره بأنه محل إعجاب واعتزاز وفخر وحب وتقدير دون مبالغة حتى لا يصاب بالغرور، والابتعاد عن خداعه أو الاستخفاف بتصرفاته، وهذا التقدير يؤدي إلى رفع مستوى ثقته بنفسه واكتساب مفهوم ذات إيجابي وزيادة ولائه لأسرته وتحمله للمواقف الضاغطة والإحباط.
  7. تعليم الأطفال: يعد الوالدان هما المصدر الأول للمعرفة أمام الطفل، ولذا يجب عليهما تعليم الطفل ما عليه من واجبات وما له من حقوق، وتعليمه مهارات السلوك الاجتماعي، والأدوار التي يقوم بها طوال حياته، وإمداده بالقيم والاتجاهات والأفكار والمعتقدات السليمة، وإشباع حاجته إلى التعاليم الدينية المتمثلة بالصلاة الصيام والزكاة، والمعارف والتجارب التي تساعده على النجاح في الحياة.
  8. الترويح عن الأطفال: وذلك بإتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة في الأنشطة والألعاب الجماعية مع أقرانهم، فمن خلالها يكتشفون أنفسهم وميولهم وهواياتهم، ويطورون أساليب تفاعل ناجحة، كما يجب على الأسرة الاستفادة من أوقات الفراغ للترفيه عن أطفالها من خلال الرحلات الترفيهية، والألعاب المختلفة، وحمايتهم من الأنشطة الترفيهية الخطيرة.

نخلص إلى أن الأسرة يجب أن توفر لطفلها أجواء الحرية، وتمنحه الشخصية الاستقلالية، وتشعره بالثقة، وتراقب تصرفاته عن بعد، ففي أجواء الحرية ينطلق الطفل على سجيته وبراءته، فيتمكن الوالدان من قراءة شخصيته بدقة، ومن ثم القيام بأدوارهم التربوية في التنشئة السليمة، وتشكيل الشخصيات السوية لأطفالها.


[1] شفاء علي الفقيه (2013). الأسرة الممتدة ودورها في بناء الشخصية المسلمة، ورقة علمية قدمت في المؤتمر الدولي بعنوان الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة، بوابة الباحثين، https://www.researchgate.net

[2] فاضل كردي الشمري (2013). الصحة النفسية وعلاقتها بالتكيف الدراسي لدى طلاب كلية التربية الرياضية، مجلة علوم التربية الرياضية، جامعة الكوفة، 4(6)، ص 113-140.

[3] سناء حامد زهران (2011). الصحة النفسية والأسرة، ط1، علم الكتب، القاهرة.