كيف نربي الطفل القائد؟
تعد تربية الطفل القائد من المهمات العظيمة التي يجب أن تسهم فيها جميع مؤسسات المجتمع كلٌ حسب اختصاصه ومسؤولياته، فالأسرة ممثلة بالوالدين والإخوة والأقارب لهم دور بارز في تهيئة البيئة والمناخ الملائم للطفل لاكتساب السمات القيادية منذ السنوات الأولى لنموه، ففي مرحلة الطفولة تتكون ملامح الشخصية وتتشكل العادات والاتجاهات وتتفتح القدرات وتنمو الميول والاستعدادات والقيم والمهارات، ثم يأتي دور المدرسة ليكمل دور الأسرة في صقل الشخصية القيادية للطفل من خلال الأنشطة الصفية واللاصفية، بالإضافة إلى أدوار كل من المسجد والنادي والمؤسسات الإعلامية والثقافية في المجتمع.
لا نبالغ إن قلنا أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعاني من ندرة القادة المؤثرين، وذلك بسبب توجهات مؤسسات التنشئة الاجتماعية لا سيما الأسرة والمدرسة، والتي تركز على تنمية الجوانب الذهنية للطفل، وتهمل القدرات والمهارات الاجتماعية والانفعالية والقيادية والتي لها الدور الأكبر في تحقيق النجاحات للطفل والمجتمع، وبالتالي فنحن في أمسِّ الحاجة إلى إعداد وصناعة القادة، للنهوض بالمجتمع وتطويره، فالقائد يُصنع صناعة ويُبنى بناءً، قال الله تعالى عن نبيه موسى : وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [سورة طه:39]، وقال : وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [سورة طه:41]، وعن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة1رواه البخاري.، ومن هذا المنطلق يأتي الدور الكبير على الوالدين والمربين في إعداد الرواحل والقادة المبدعين، ليتولوا مستقبلاً قيادة مجتمعاتهم وأمتهم، والارتقاء بها إلى المجد والعلياء.
وسنتناول في هذا المقال: كيف نربي الطفل القائد؟
فالقائد هو الذي يملك القدرة على التأثير على الآخرين وتوجيه سلوكهم للعمل بحماس، لتحقيق أهداف محددة تصب في المصلحة العامة المشتركة على المدى البعيد، ومهارة الطفل القائد تعني قدرته على التعامل مع الأطفال من حوله وتحديد دور كل منهم ومساعدتهم لتحقيق أهداف معينة.
السمات العامة للقائد الناجح
يتسم الطفل القائد منذ مرحلة الطفولة بمجموعة من السمات الفطرية أهمها: نزعة السيطرة على الآخرين وإلقاء الأوامر والتعليمات عليهم، وسرعة البديهة، وحب المبادرة، والقدرة على اتخاذ القرار، والقدرة على إدارة الضغوط، وحسن التصرف في الأزمات، وتنظيم نشاط الأقران وتوزيع الأدوار عليهم، وتقديم الاقتراحات، ومد يد العون والمساعدة للآخرين، والإقناع، والثقة بالنفس، كما يتسم الطفل القائد بأنه أكبر عمراً وأكثر ذكاءً من أقرانه، وسنذكر الصفات العامة للقائد الناجح حتى تمثل مرجعية ومعيارًا للوالدين والمربين، لتدريب الأطفال للوصول إليها، سواءً كان الأطفال يتمتعون بالصفات القيادية الفطرية أم لا، ومن أهم صفات القائد الناجح ما يلي:
- القدرة على التحدث وإقناع الآخرين: وتعني تبسيط الأفكار الكثيرة والمعقدة وإيصالها للآخرين بسهولة ويُسر حتى تصبح مفهومة لدى جميع المستمعين مما يحمسهم لتنفيذها.
- القدرة على الاستماع: فالاستماع الجيد يمكّن القائد من فهم الآخرين بشكل واضح، وفي نفس الوقت يوصل رسالة إلى المتحدث بأن كلامه محل احترام وتقدير، والمستمع الجيد يكون متحدثاً جيداً.
- القدرة على استيعاب الآخرين وتحفيزهم: وتعني فهم شخصيات الآخرين وطموحاتهم، حتى يتمكن من حسن التعامل معهم وسهولة توجيههم نحو الأهداف التي يرغب في الوصول إليها، ومساعدتهم على توظيف مواهبهم وطاقاتهم وإسهاماتهم بشكل صحيح، وإشباع حاجاتهم وطموحاتهم مما يشعرهم بالرضا والارتياح.
- الشجاعة: وتعني القدرة على مواجهة الحقائق القاسية والأزمات بشجاعة وإقدام، مما يسهم في تماسك الآخرين من حوله، والتمكن من إدارة الأزمات بنجاح، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة والمثل الأعلى، فقد كان أشجع الناس، حيث كان أصحابه يحتمون به إذا اشتد القتال في المعركة.
- الصدق والإخلاص والوفاء والتضحية: وتعني إخلاص القائد لعمله وزملائه وأسرته ومجتمعه والوفاء بالتزاماته معهم، وتقديم المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، والصدق في أقواله وأفعاله.
- الهمة العالية: وتعني التفاؤل والسعي نحو التطور والارتقاء، والقدرة على إنجاز المهمات الصعبة، والسعي لتحقيق أهداف وطموحات عالية.
- النضج والحكمة والعدل: وتعني تقديم آراء ومقترحات جيدة ورصينة، والتمييز بين المهم وغير المهم، والخطأ والصواب، والخير والشر.
- الحماس للعمل: وتعني النشاط والحيوية والرغبة في العمل بغض النظر عن الظروف المحيطة أو الحوافز الممنوحة.
- وضوح المهام لديه والجدية في إنجازها: وتعني وضوح الرؤية والرسالة والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها في أعماله، وتحويلها إلى برنامج عملي، والسعي إلى تنفيذها.
الأساليب الناجحة لتربية الطفل القائد
تقوم مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المجتمع بدور أساس في تشكيل الشخصية القيادية لدى أطفالها، ويمكن للأسرة والمحضن التربوي والمدرسة وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية تنمية السمات القيادية لدى أطفالها، من خلال مجموعة من البرامج والأساليب التربوية أهمها:
- منح الطفل الحب الصادق: وذلك بمنح الطفل مشاعر الحب الصادق والأمان، لإشباع حاجته الى الحب، فهذا الإشباع يجعله يحب نفسه وتتكون لديه العاطفة المتزنة مما ينعكس هذا الحب والعاطفة على الآخرين من حوله، ويمكن للوالدين والمربين إظهار مشاعر الحب من خلال الاحتضان والمكافآت المادية والمعنوية، وكلمات الشكر والتقدير والثناء.
- تدريب الطفل على تحمل المسؤولية: وذلك بتعويد الطفل على تحمل مسؤولية أفعاله وأقواله التي يختارها، وعدم البحث عن مبررات لأخطائه حتى يتعلم منها، ومن التدريبات الصغيرة على تحمل المسؤولية تنظيف فراشه وترتيبه كل يوم، والاهتمام بغرفته، والعناية بأطباق طعامه بعد تناولها، وترتيب ملابسه وشراء الملابس المناسبة له، واختيار أصدقائه ورفاقه وألعابه، واستشارته في اختيار أماكن النزهات والرحلات العائلية أو المدرسية.
- تعويد الطفل على حل مشكلاته: من خلال تدريب الأطفال على استراتيجية حل المشكلات واتخاذ القرارات باستخدام الأسلوب العلمي، فعندما يعرض الطفل مشكلاته الصغيرة، يمكن توجيهه إلى التفكير في تقديم حلول لها، ثم مساعدته على اتخاذ القرار المناسب والتوصل لحل هذه المشكلات، مما يشعره بالرضا وينمي ثقته بنفسه لحل أي مشكلة تعترضه في المستقبل.
- تنمية حب القراءة والتعلم لدى الطفل: وذلك بتعويده على طرح تساؤلاته والبحث عن إجابات لها بنفسه، وتكون مهمة الوالدين والمربين تصحيح الإجابات والإرشاد والتوجيه، بالإضافة إلى مساعدته للحصول على مصادر التعلم من كتب ومراجع ومواقع علمية موثوقة، وتحفيزه على التعلم الذاتي من خلال القراءة والاطلاع والتلخيص، والمنافسة في المسابقات العلمية والأدبية، والمشاركة في البرامج التدريبية المختلفة.
- تشجيع الطفل على المبادرة: وذلك من خلال تعريض الطفل لمواقف طارئة تحتاج الى تدخل وحل سواءً في البيت أو المدرسة، مثل مساعدة أعمى لعبور الطريق، أو جمع تبرعات لأحد المحتاجين، أو تنسيق رحلة الى الحديقة، أو تجهيز برنامج الإذاعة المدرسية، وغيرها من المبادرات التي تحتاج إلى تصدر أحد الأطفال لتنسيق جهود الآخرين لإنجاحها.
- تنمية الوعي الذاتي لدى الطفل: مساعدة الأطفال على اكتشاف أنفسهم وفهمها، والإجابة على سؤال مهم لكل فرد في الحياة، لا سيما القائد، وهو: من أنا؟ وتدريبهم على وضع الخطط الشخصية ورسم أهداف تتفق وميولهم وقدراتهم واستعداداتهم، وتدريبهم على استخدام جدول المهام والأعمال اليومية، وذلك حتى يتعرف الطفل على جوانب قوته لتعزيزها، وجوانب ضعفه لتجاوزها، فلا يمكن أن يقود الآخرين ما لم يكن قادراً على فهم نفسه وقيادتها.
- إشراك الطفل في الألعاب الجماعية: وذلك لأن الألعاب الجماعية تحقق النمو الشامل المتكامل للطفل، ويكتسب من خلالها مهارات التفكير المختلفة؛ كالفهم والإدراك والتذكر، وتنمي القدرة على الابتكار والإبداع، وتساعد الطفل على الاندماج في محيطه الاجتماعي، وتهيئ له الفرصة لممارسة أدوار القيادة والجدية من خلال التواصل والإقناع والحوار واتخاذ القرار وحل المشكلات.
- تنمية المهارات الإدارية: يمكن تنمية مهارات التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة والتفويض وإدارة الوقت وتقويم الأداء لدى الأطفال من خلال تكليفهم ببعض المهام في المدرسة أو البيت، وإشراكهم في عملية التخطيط وتنظيم العمل وتقييم الأداء حتى يتمكنوا من ممارسة هذه المهام في الواقع العملي، ففي الأسرة يمكن توزيع مهام شراء مصروفات البيت على أطفالها، والإشراف عليهم وتقويمهم حتى يحققوا النجاح، وفي المدرسة أو المحضن التربوي يمكن توزيع مهام كثيرة على الأطفال، مثل رئاسة الفصل ونظافته والنشاط الرياضي والثقافي والعلمي والفني، ومهام أخرى على مستوى المدرسة كالمشاركة في إدارة أندية القراءة والمناظرة والإبداع وغيرها.
- تحسين مهارات الاتصال: وذلك من خلال تدريب الأطفال على استخدام لغة مفهومة ومشوّقة، وجذب الانتباه الكامل للمستمعين، باستخدام الأمثلة ووسائل الإيضاح، واختيار الوقت والمكان المناسب للتواصل، وتنظيم الأفكار قبل عرضها، والإنصات الجيد، وهذه المهارات يمكن تنميتها لدى الأطفال من خلال المناهج الدراسية وأثناء ممارسة الأنشطة المختلفة.
- تنمية مهارات الحوار وإدارة النقاش: بتدريب الأطفال على الاستعداد والتحضير للحوار، واستخدام الحجج المنطقية، من خلال أنشطة المناظرات بين الطلبة في المدارس، وذلك بتشكيل فريقين أحدهما يمثل الموالاة والآخر يمثل المعارضة وطرح قضية للنقاش وكل فريق يقدم حججه ويفند حجج الفريق الآخر من أجل الفوز ويمكن تطبيق مثل هذا بين الإخوة بالمنزل كذلك تحت إشراف الوالدين.
نخلص إلى أن تنمية السمات القيادية للطفل تساعده على النجاح في كافة مجالات الحياة، بالإضافة إلى أن الشخصية القيادية تكون قوية وقادرة على اتخاذ القرارات وتحدي العقبات وتجاوز الصعوبات مهما كانت، كما أن الشخصيات القيادية أفادت مجتمعاتها، وساهمت في تحديثها وتطويرها على مر التاريخ، لا سيما القادة المبدعون والذين تركوا بصمات لا تنسى في مسيرة مجتمعاتهم، وستظل قصصهم مصدر إلهام للأجيال المتعاقبة من بعدهم.