8
الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ by abofares

كيف نربي طفلا فاعلا؟

تظهر الفاعلية الاجتماعية للأفراد وسط مجتمعاتهم التي يعيشون فيها أو مؤسساتهم التي يعملون بها كنتيجة لعملية تربوية طويلة تستمر خلال العقدين الأول والثاني من العمر؛ أي خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة، ففي مرحلة الطفولة الوسطى تحديداً يحدث نمو للفرد في جميع الجوانب الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، ويعد النمو الاجتماعي للطفل من أهم الجوانب التي يجب أن تأخذ حقها من الرعاية والعناية والتربية حتى ينمو الفرد نمواً متكاملاً يؤهله ليكون عضواً مؤثراً وفاعلاً في مجتمعه وموجهاً وقائداً في مهنته.

ونظراً لما نلاحظه من قصور من قبل مؤسسات التنشئة الاجتماعية والآباء والأمهات والمربون والمعلمون في تحمل مسؤولياتهم والقيام بأدوارهم التربوية في إعداد النشء على الفاعلية الاجتماعية، حيث أصبحت أدوارهم شكلية لا تحدث أي أثر إيجابي في شخصية الطفل سوى تلقين بعض المعلومات وتحفيظ بعض العبارات دون أن تتحول هذه الأفكار والمعلومات إلى سلوك وأخلاق في شخصية الطفل، فسنتطرق في هذا المقال إلى مناقشة بعض الأساليب التربوية الناجحة والقصص الملهمة التي تساعد الوالدين والمربين على تطوير أساليبهم التربوية، للمساهمة في تربية الأطفال وتنشئتهم على النشاط الإيجابي والفاعلية الاجتماعية في محيطهم الأسري والمجتمعي.

 وللإجابة على عنوان المقال: كيف نربي طفلاً فاعلاً اجتماعياً؟ سنبدأ بتوضيح مفهوم الفاعلية الاجتماعية بأنها القدرة على التأثير على الآخرين وتغيير سلوكهم وآرائهم ومعتقداتهم ومشاركتهم في العمل الجماعي لتحقيق أهداف معينة، كما تعني قدرة الفرد على استمرارية وديمومة علاقاته الاجتماعية والتأثير عليها وتوجيهها لتحقيق الأهداف المرجوة، وتتطلب الفاعلية الاجتماعية مهارات اجتماعية متعددة مثل الاتصال الفعال والتعاون والتعاطف والتفكير الناقد وحل المشكلات واتخاذ القرارات.

أهمية الفاعلية الاجتماعية والعوامل المؤثرة فيها

في تراثنا الإسلامي نجد أن أوائل السور المكية ركزت على الفاعلية الاجتماعية لجيل الدعوة الأول حين أمرتهم بالقيام على أمر اليتيم والمحتاج وبذل المال ومواساة الضعفاء واحتوائهم، قال الله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ۝ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [سورة الضحى:9-10] وقال ​​​​​​​: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [سورة الإنسان:8]، فالفاعلية مهمة في الحياة الاجتماعية وهي مفتاح النجاح في العديد من المهن والوظائف المختلفة، والأطفال الذين نشأوا في ظروف اجتماعية تفاعلية ومنفتحة حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، كما كان لهم الفضل في تحقيق نجاحات لمجتمعاتهم، وعلى النقيض من ذلك الأطفال الذين نشأوا في بيئات اجتماعية انطوائية وغير تفاعلية لم يحققوا نجاحات بارزة على المستوى الشخصي أو المجتمعي.

وتتأثر فاعلية الطفل في المجتمع بطبيعة العلاقة بين الوالدين واتجاهاتهما وطريقة تنشئتهما له والنمط التربوي السائد في الأسرة، فالأجواء النفسية والفكرية والعاطفية للأسرة تمنح الطفل القدرة على التوافق مع نفسه وأسرته ومجتمعه، كما تتأثر فاعلية الطفل بزيادة وعيه بذاته وزيادة إدراكه للبيئة الاجتماعية وما فيها من علاقات، وزيادة مشاركته الاجتماعية، وتوسيع قاعدة التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة ومع الأقران، وتشكيل المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية، بإدراك الخطأ والصواب، وإنماء صداقات مع الأطفال الآخرين واللعب معهم، ومحاولة جذب انتباه الراشدين من حوله للحصول على الثناء والتقدير[1].

المهارات اللازمة للفاعلية الاجتماعية

الطفل لديه حماس للعمل والتعاون والمشاركة وتحمل المسؤولية بهدف الاعتماد على نفسه والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، ولكن تنقصه المهارات التي تمكنه من تحقيق الفاعلية الاجتماعية في محيطه، وبالتالي يجب تدريب الأطفال على بعض المهارات التي تجعلهم مؤثرين في المجتمع، وتمكنهم من إدارة علاقاتهم الاجتماعية بشكل فعال، ومن أهم هذه المهارات:

التفاعل الاجتماعي

تتضمن الاندماج مع الزملاء، ودعوتهم للاشتراك في النشاط الذي يهتم به، وتشجيعهم ومدحهم والثناء عليهم أثناء النشاط، وإعطاء الاهتمام للنشاط وبذل أقصى جهده لإنجاحه، ومتابعة الأحداث الاجتماعية باستمرار، كما تتضمن احترام مشاعر الآخرين، والمبادرة بالحديث مع القدرة على التحدث الجيد والاستماع الجيد، وسهولة تكوين الأصدقاء، وتقبل اقتراحات الزملاء، واتباع التعليمات المدرسية.

المهارات الاتصالية

تتضمن قدرة الطفل على التعبير عن الأفكار والمشاعر بوضوح ودقة، كما تشمل التحدث مع الآخرين والاستماع بفهم لهم، والتعبير عن رأيه في النشاط الذي يشارك فيه، وتفقد زملائه والسؤال عنهم، والتواصل البصري بينه وبين الأشخاص الذين يحدثهم أو يتحدثون إليه.

الثقة بالنفس

أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يثقون بأنفسهم يؤدون الأعمال بكفاءة عالية، ويتعاملون مع المواقف الاجتماعية باستقلالية، ويعبرون عن رأيهم بوضوح وصراحة، والحب هو المفتاح الأول لبناء الثقة بالنفس عند الطفل، كما أن تقديم المدح له، وزيادة وعيه بأهدافه في الحياة، وتدريبه على الاستقلالية والمرونة وتشجيعه على ممارسة أنشطة بدنية، وممارسة الألعاب، وتدريبه على إدارة علاقاته مع الآخرين يزيد من ثقته بنفسه.

التعاطف

يعد التعاطف من أهم العوامل لبناء العلاقات الاجتماعية الجيدة، ويتضمن فهم مشاعر الآخرين وتقديم الدعم النفسي والتشجيع المعنوي لهم في الوقت المناسب، ومشاركة الآخرين في أفراحهم وأتراحهم، وعندما يُظهر الطفل تعاطفه مع الآخرين ستقوى علاقاته الاجتماعية معهم، وتتسع دائرة تأثيره في البيئة التي يعيش فيها.

التحكم بالانفعالات

التحكم بالانفعالات من المهارات المكتسبة التي تساعد الطفل على تفادي التوترات الاجتماعية وتعزز القدرة على التعامل مع المواقف المختلفة بحكمة، وتشمل القدرة على ضبط الانفعالات وتنظيمها، والتدرب على أنماط الشخصية المقبولة اجتماعياً كالحلم والأناة، مصداقا لقول الرسول  صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتان يحبهما الله، الحلم والأناة” رواه مسلم.

الثقافة الواسعة

حتى يكون الطفل ذا فاعلية اجتماعية لابد أن ترنو إليه أنظار المجتمع من حوله ويشار إليه بالبنان وأن يكون كالشامة بين زملائه، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال اكتساب ثقافة واسعة والتفوق على أقرانه بخطوات كبيرة في هذا الجانب، والثقافة تكتسب بالتدرب على مهارات القراءة الموجهة والمشاهدات الهادفة والبحث والتلخيص والكتابة[2].

الاستراتيجيات التربوية لتنمية الفاعلية الاجتماعية لدى الأطفال

يستطيع المعلمون والآباء والأمهات والمربون استخدام استراتيجيات تربوية تنمي لدى الأطفال الفاعلية الاجتماعية والنشاط والحيوية، ومن أهم هذه الاستراتيجيات:

النمذجة

 تعد النمذجة من الاستراتيجيات التربوية الحديثة لا سيما في مرحلة الطفولة، فالطفل يتأثر كثيراً بالنماذج والقدوات التي يشاهدها مباشرة أو يسمع قصصاً عنها، وغالباً ما يتشبه بأقوى شخصية حوله ليقتدي بها، فتجده يقلد المشاهير ويتقمص شخصياتهم ويحاكي سلوكياتهم، فتظهر الموضات والتقليعات الغريبة، لذا يجب على المربين والآباء والأمهات تحمل مسؤولياتهم في إبراز النماذج المناسبة للطفل، والابتعاد عن العقوبة والتأنيب والتقليل من قيمة الطفل وازدرائه، ومن أهم النماذج رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة الحسنة، فلا بد من ترسيخ حبه في نفس الطفل ليتشبه ويقتدي به، فمشاعر الطفل تتحرك وفق هذا الحب، بالإضافة الى النماذج التي قدمها الأنبياء والخلفاء والفاتحون والعلماء والمؤثرون في مجتمعاتهم، لابد من تنزيلها على الأطفال بقوالب تعليمية وتربوية مشوقة ومبسطة حتى يحبونها ويتأثرون ويعتزون بها وبالتالي تقليدها ومحاكاة سلوكياتها وأفعالها، كما يعد الآباء والمربون في موضع القدوة للطفل ولابد أن يكونوا نماذج إيجابية في الفاعلية الاجتماعية، مثل الانفتاح والتواصل مع الآخرين والتعايش معهم، والالتزام بالسلوك الإيجابي، وحسن الجوار، وتقديم العون للمحتاجين، والمساهمة في إنجاح المشاريع والمبادرات التي تعود بالنفع على المجتمع، فهذه كلها تترسخ في وجدان الطفل وتحفزه لتقليدها عندما تتاح له الفرصة لذلك.

المشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية

تدريب الأطفال على العمل التطوعي يساعدهم على اكتشاف أنفسهم وتوظيف مواهبهم وتنميتها، كما يساهم في إشباع احتياجاتهم النفسية مثل التقدير والحب والانتماء وبالتالي تكوين شخصية إيجابية، كما يكتسب الأطفال مهارات كثيرة كالعمل الجماعي والتعامل مع الناس وإدارة الخلافات، والتعرف على أصدقاء فاعلين وإيجابيين جدد، وينمي لديهم الخصائص الإيجابية كالسخاء والتواضع وسعة الصدر، ويخلصهم من بعض الصفات السلبية كالأنانية والغرور.

ومن الأنشطة التي تعزز الفاعلية الاجتماعية لدى الأطفال إشراكهم في أنشطة اجتماعية مثل حملات النظافة العامة للمدرسة أو الحي السكني، أو توزيع الملابس الفائضة عن الحاجة للمحتاجين، أو تزيين الفصول الدراسية، أو غرس الأشجار وريها، بالإضافة إلى تدريب الأطفال على الاعتماد على النفس في إنجاز أعمالهم وشؤونهم الخاصة من ارتداء الملابس وتركيب الألعاب وتناول الطعام وشراء بعض احتياجات البيت.

كما أن تفعيل فكرة الشعور بالآخرين والمبادرة إلى مساعدتهم مثل الوالدين والإخوة والجد والجدة، وترديد أناشيد وقصص تحمل مفاهيم التعاون مع الآخرين، وعمل برنامج زيارات للأطفال إلى المؤسسات الخيرية للاطلاع على ما يقومون به من خدمات اجتماعية وذلك لتنمية الميول الإيجابية لديهم نحو مساعدة الآخرين، وتحفيزهم على القيام بالأدوار الاجتماعية المتعددة.

التدريب على الفاعلية الاجتماعية

تعد الفاعلية الاجتماعية من الخصائص المكتسبة التي يمكن تدريب الأطفال عليها، وتتم من خلال تنمية مهارات التفاعل الاجتماعي والاتصال الفعال والثقة بالنفس والتعاطف والتحكم بالمشاعر وزيادة منسوب الثقافة العامة، ومن أهم التدريبات لتنمية الفاعلية الاجتماعية لدى الأطفال ما يلي:

  • الانصات الفعَّال، ويتم تدريب الطفل عليها بالنظر إلى المتحدث بطريقة هادئة، وترك المتحدث ينهي كلامه وعدم مقاطعته، والاهتمام بما يقوله والإيماء بالرأس لإبداء ذلك، وفهم الحالة النفسية للمتكلم.
  • التحدث والإلقاء المؤثر من خلال تدريب الأطفال على فن الخطابة والإلقاء، والمشاركة في برامج الإذاعة المدرسية والاحتفالات والأنشطة والفعاليات الجماهيرية.
  • التعاون مع الآخرين وطلب مساعدتهم عند الحاجة، من خلال تدريب الأطفال على التصرف الإيجابي في الأنشطة التي تستلزم التعاون، مثل إقامة حفل أو ترتيب المنزل أو تزيين الفصل المدرسي.
  • تكوين صداقات جديدة والمحافظة عليها وتبادل الهدايا مع الأصدقاء امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : ” تهادوا تحابوا ” رواه البخاري، والتدرب على تذكر الأسماء والوجوه.
  • فهم الإشارات غير اللفظية ولغة الجسد والتدرب على إتقانها، ومن أهمها البشاشة وطلاقة الوجه والابتسامة، وقد أكد عليها رسولنا الكريم
    صلى الله عليه وسلم  بقوله ” وتبسمك في وجه أخيك صدقة” رواه الترمذي.
  • تدريب الأطفال على إطلاق وإدارة المبادرات الاجتماعية في حدود قدراتهم للمساهمة في تطوير المجتمع وتحسينه، مثل تكوين فريق لنظافة الحي السكني، ونظافة المسجد، أو فريق لتوزيع وجبات غذائية وحقائب مدرسية على الطلبة المحتاجين وغيرها.

الخلاصة أننا نستطيع كآباء وأمهات ومربون ومعلمون أن نربي أطفالاً ذوي فاعلية اجتماعية من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات التربوية وما تتضمنه من تدريبات عملية ومهارية، وغيرها من الأساليب التربوية التي يمكن أن يبدعها الوالدان والمربون حسب الزمان والمكان والإمكانيات المتاحة، إلا أن الأطفال لن يكونوا بنفس الكفاءة من الفاعلية والنشاط الاجتماعي نظراً للفروق الفردية بينهم واختلاف الميول النفسية وأنماط الشخصية، فالأطفال الذين لديهم ميول اجتماعية وقيادية ستكون فاعليتهم الاجتماعية أعلى من غيرهم وهكذا .


[1] الصغير، حصة بنت محمد بن فالح (1429هـ) : تعامل الرسول مع الأطفال تربوياً ، كتاب الأمة، العدد (128)، مركز البحوث والدراسات، قطر .
[2] مروان سليمان سالم الددا (2008)، فعالية برنامج مقترح لزيادة الكفاءة الاجتماعية للطلاب الخجولين في مرحلة التعليم الأساس، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم علم النفس، كلية التربية، الجامعة الإسلامية بغزة.