7
الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ by abofares

مهارات التفكير العليا لدى الطفل

يعد التفكير أحد النشاطات العقلية التي يتميز بها الانسان عن سائر المخلوقات حيث يكمن سر تفوقه في قدرته على التفكير، وفي عصر الانفجار المعرفي والذكاء الصناعي، لم يعد حفظ المعلومات واسترجاعها وزيادة التحصيل العلمي هو معيار نجاح الفرد، بل أصبح نجاح الفرد مرتبط بمدى قدرته على التفكير الإبداعي وحل المشكلات واتخاذ القرارات الصائبة في المواقف المختلفة، وفي الواقع نجد أن المؤسسات التربوية تهتم بمهارات التفكير الدنيا وهي فهم المعلومات وحفظها واسترجاعها، وتغض الطرف عن مهارات التفكير العليا المتمثلة بتوظيف هذه المعلومات في حل مشكلات المجتمع وتطويره وتحديثه، وفي ضوء ذلك أصبحت تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطفل مطلباً ملحَّاً في العملية التربوية والتعليمية في العصر الحديث، وذلك لردم الهوة بين الواقع والطموح.

وسنتطرق في هذه المقالة إلى مناقشة أساليب تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطفل، والتي تتضمن مهارتي التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، كما تتضمن الجانب الإنتاجي للتفكير والذي يشمل مهارات تحليل المعلومات وتقييمها والوصول إلى الاستنتاجات، وحل المشكلات واتخاذ القرارات، وقد عُرِّفت مهارات التفكير العليا بأنها مجموعة من المهارات التي تساعد على تحليل وتقييم المعلومات بشكل منطقي وناقد، وتطوير القدرة على الابتكار والابداع واتخاذ القرارات الصائبة بناءً على معرفة دقيقة.

تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطفل

يستطيع الوالدان والمربون تطوير أساليبهم التربوية والتعليمية بما يسهم في تنمية مهارات التفكير العليا لدى أطفالهم، وذلك من خلال تشجيع الأطفال وتحفيزهم على استكشاف أشياء جديدة وتجربة أنشطة مختلفة، مثل حل الألغاز الهادفة، والقراءة الموجهة، والرسم، وإبعادهم عن الأعمال والأنشطة الروتينية المملة، بالإضافة إلى التحدث مع الأطفال ومحاورتهم بأسلوب منطقي، وإقناعهم بأهمية الانفتاح مع مجتمعاتهم، وتشجيعهم على طرح الأسئلة حول كافة الموضوعات العلمية والاجتماعية، والتعاون فيما بينهم لحل المشكلات التي تعترضهم، وتدريبهم على تحليل المعلومات والأدلة بشكل منطقي، وتحديد ما إذا كانت صائبة أم خاطئة، وسيتم مناقشة طرق وأساليب تنمية مهارات التفكير العليا كما يلي:

أولاً: تنمية مهارة التفكير الناقد لدى الطفل

يعرَّف التفكير الناقد بأنه تفكير تأملي يعتمد على التحليل والفرز والاختيار والاختبار لما لدى الفرد من معلومات بهدف التمييز بين الأفكار السليمة والخاطئة، ويقصد بمهارات التفكير الناقد القدرة على التفكير بوضوح ومنطق، وعدم التسليم بأي فرضية دون تحليل ونقاش، وفتح باب الشك أمام الطفل وتحريك فضوله باستمرار للبحث عن الأسباب والدوافع.

فالتفكير الناقد يتيح للطفل فهماً أوسع لاتخاذ قراراته باستقلالية، وإصدار الأحكام بعيداً عن التحيز، وفحص المعتقدات وتحليل الأفكار وتقييمها ذهنياً، وتتكون مهارة التفكير الناقد من مهارات الاستنتاج: والتي تتيح الوصول إلى نتيجة محددة وفق معايير معينة بعد سلسلة من العمليات، ودحض النتائج الخاطئة، ومهارة التفسير: وتعني تحديد الأسباب التي أدت إلى نتيجة معينة وتعليلها، ومهارة الاستدلال: وهي ربط الحقائق المكونة لمسألة ما مع بعضها، واعتبارها دلائل على صحة الفرضية المقدمة، ومهارة التقويم: وتعني التأكد من صحة التفكير ونجاحه في حل المشكلة، ويمكن للوالدين والمربين تطوير مهارة التفكير الناقد لدى الأطفال باستخدام بعض الوسائل والأساليب العملية كما يلي[1]:

  1. حل الألغاز كونه نشاط شيق وممتع للأطفال، ويدفعهم إلى تحليل المعلومات التي تقدم لهم عن اللغز، ومحاولة مناقشتها والربط بينها ربطاً منطقياً يوصلهم إلى نتيجة نهائية تكون حلاً للغز.
  2. قراءة الكتب والقصص والروايات وتلخيصها ومناقشتها والإجابة عن أسئلة تتعلق بقراءاته، فالمناقشة توسع مداركه وتجعل تفكيره مركزاً ومستوعباً لما يقرأ.
  3. تنمية مهارة الاستماع الجيد لأنه يحتاج إلى تركيز جيد ودقة ملاحظة، لاسيما إذا كان يتبع الاستماع مناقشة وبناء رأي ووجهة نظر شخصية حول الموضوع المسموع.
  4. مناقشة الطفل واستشارته في أمور تخصه أو تخص الأسرة، لسماع رأيه وتمييز الخطأ من الصواب، وتنبيهه إلى عدم تصديق كل ما يسمع، والشك في صحة كل ما يسمع أو يقرأ أو يشاهد حتى يجد التعليل المناسب، وهذه المناقشة تنمي ثقة الطفل بنفسه وتشجعه على التفكير.
  5. طرح أسئلة ذات إجابات مفتوحة على الطفل وعدم الاكتفاء بإجابة مختصرة من قبل الطفل، بل الاستمرار في سؤاله عن سبب إجابته، ولماذا لم يجب بطريقة أخرى، وذلك لتوسيع جوانب التفكير لديه، وتدريبه على التفكير في تفكيره.
  6. إعطاء الطفل المساحة الكافية والحرية والوقت لحل مشكلاته بنفسه حتى تنمو لديه الشخصية الاستقلالية، ويتعود الاعتماد على نفسه وعدم الاتكال على الآخرين.
  7. نشاطات اللعب والرسم الحر وذلك باستخدام ألعابه بطرق مختلفة عما صممت له، فهذا يشجعه على التفكير خارج الصندوق، وإعطائه الحرية بالرسم والتلوين.

ثانياً: تنمية مهارات التفكير الإبداعي لدى الطفل

يعد التفكير الإبداعي أسلوب من أساليب التفكير الموجه والهادف، يسعى الفرد من خلاله لاكتشاف علاقات جديدة أو يصل إلى حلول جديدة لمشكلاته، كما يعرف بأنه نشاط عقلي مركب وهادف، توجهه رغبة قوية في البحث عن حلول أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة مسبقاً، ويعتمد على قدرات الطلاقة، المرونة، وسمات الشخصية، والبيئة الميسرة للإبداع؛ لتظهر في النهاية الحلول الابداعية للمشكلة، والتي تتميز بالأصالة والفائدة والقبول الاجتماعي، والدهشة لدى الآخرين[2].

ولكي يقوم الوالدان والمربون بأدوارهم في تنمية مهارات التفكير الإبداعي لدى أطفالهم، يمكن استخدام مجموعة من الأنشطة والألعاب أهمها[3]:

  1. نشاط الاستخدامات الممكنة: إعطاء الأطفال بعض الأشياء والطلب منهم ذكر جميع الاستخدامات الممكنة لهذا الشيء، مثل الاستخدامات الممكنة لعلبة الماء، أو القلم، أو علبة البيبسي، ويمكن أن يتم هذا النشاط بشكل فردي أو جماعي.
  2. نشاط الافتراض والتوقع: وذلك بإثارة تساؤلات أمام الأطفال لأحداث غير موجودة في الواقع، والطلب منهم التنبؤ بما سيحدث عند وقوعها، مثل: ماذا لو أصبحت السماء حمراء، ماذا لو تكلم الكتاب، ماذا لو فهمنا لغة القطط، ماذا لو تدلت خيوط من السحاب إلى الأرض.
  3. نشاط التشبيه: وذلك بإكمال جمل ناقصة مثل: ركوب الدراجة يشبه . . . . ، التقدم للاختبار يشبه . . . . ، الصداقة تشبه . . . . .
  4. التدريب على الحساب الذهني: وذلك بتدريب الأطفال على إجراء العمليات الحسابية ذهنياً، دون استخدام الآلة الحاسبة.
  5. إنتاج الكلمات المترادفة وأضدادها: وذلك بإعطاء الطفل كلمة معينة والطلب منه ثلاث أو أربع كلمات مرادفة لها، وكلمة عكسها.
  6. لعبة تركيب الأشياء: وذلك بتركيب أشياء مختلفة الشكل والحجم لتشكيل لوحة أو صورة ذات معنى، مثل تركيب بيت أو قارب أو سيارة من قطع أو أدوات قديمة.
  7. نشاط تكملة الشبكة اللفظية: وذلك بعمل جدول مكون من خمس خانات، تبدأ الخانة الأولى بحرف وإنتاج كلمات لبقية الخانات تبدأ بنفس الحرف، بحيث تكون الخانة الثانية اسم شخص، والثالثة اسم حيوان، والرابعة اسم فاكهة، والخامسة اسم بلد.
  8. نشاط العصف الذهني لتحسين الأفكار: يتم طرح موضوع معين ثم يطلب من الأطفال التفكير فيه لمدة معينة، ثم يطلب منهم اقتراح العديد من الأفكار لتحسينه، مع مراعاة السماح بطرح أي فكرة مهما كانت وعدم نقدها، مثل: حضرت حفلة صديقك ولكنها لم تعجبك وشعرت بالملل، اقترح أكبر عدد من الأفكار لتجعلها حفلة ممتعة وجميلة، واستيقظت من النوم ووجدت بجوارك مليون دولار، اقترح أكبر عدد من الأفكار للاستفادة من هذا المال.
  9. نشاط تركيب أشياء خاطئة: وذلك بالطلب من الطفل أن يعطي أمثلة لأشياء وأماكن خاطئة، مثل غواصة في الجو، والمشي على الماء، وطائرة في البحر، وضع الأحذية في الثلاجة، وسفينة في الصحراء، خروف له خرطوم فيل، بيت له عجلات سيارة، طائر له أرجل إنسان، وذلك لتنمية التفكير خارج الصندوق وغير المألوف.
  10. نشاط تقييم الأفكار: تدريب الأطفال على النظرة الشمولية للأفكار قبل الحكم عليها، وذلك بحكاية قصة واقعية يلامسونها في حياتهم، والطلب منهم في نهاية القصة الحكم على الأفكار التي طرحت في سياق القصة هل هي جيدة أم لا.
  11. نشاط التصنيف: وذلك بسرد مجموعة من الكلمات المتنوعة على الأطفال أو كتابتها، والطلب منهم تصنيفها حسب مجالاتها.
  12. اختراع حلول للمشكلات: طرح بعض المشكلات التي يعاني منها الأطفال وطلب اقتراح حلول عملية لها، مثل: ماذا يمكن أن تفعله لحماية البيت من السرقة؟، كيف يمكننا توفير استهلاك الكهرباء في البيت؟.

ولكي تنجح الأنشطة السابقة في تنمية مهارة التفكير الإبداعي لدى الأطفال، لابد أولاً من توعية الآباء والمعلمين والأطفال بأهمية التفكير الإبداعي، وتجنب مضاداته، واستخدام الأساليب التربوية الحديثة في التعليم والتدريب مثل العصف الذهني وحل المشكلات، وإثارة الخيال الخصب عند الأطفال، في مناخ حر يقدر شخصية الطفل ويحترم أفكاره.

ثالثاً: تنمية مهارة حل المشكلات لدى الأطفال

مهارة حل المشكلات تُعد منهجية تفكير تقوم على عدة إجراءات وخطوات بهدف تحليل المشكلة لإيجاد الحل المناسب لها، وتعتمد على التفكير المنطقي والتحليلي والإبداعي والخبرات والتجارب السابقة، كما تعد من المهارات الفطرية التي تتطور عند الأطفال بشكل مستمر وتلقائي، ولابد من دعمها وتهذيبها، وتدريب الأطفال على إدارة مشاعرهم والتحكم بها عند مواجهة مشكلاتهم، وتوجيههم إلى التعلم من تجارب الآخرين حين تعترضهم المشكلات من خلال التفاعل الاجتماعي، ومنحهم الأمان عند الاعتراف بتقصيرهم والمشكلات التي يعانوا منها وأسبابها، كما يجب على الوالدين والمربين مشاركة الأطفال تجاربهم وطريقتهم في حل المشكلات من خلال السرد المباشر أو إعطائها قوالب قصصية مثيرة.

ويتم حل المشكلات باستخدام مجموعة من الخطوات والإجراءات تبدأ بتحديد المشكلة وذلك بتشجيع الطفل على التحدث والتعبير عن مشكلته، وتحديد الأسباب المحتملة لها، ثم توليد الحلول المتاحة للمشكلة، من خلال التجارب السابقة، واستشارة الوالدين والمربين، وتجريبها إذا كان ممكناً، وتحديد إيجابيات وسلبيات كل حل وإمكانية تطبيقه ونسبة نجاحه، ومن ثم اختيار الحل المناسب، وتطبيقه وتجريبه عملياً، وتشجيع الطفل والثناء عليه، وأخيراً تخزين الحل في الذاكرة لتعميمه على مشكلات مشابهة، ولتنمية مهارات حل المشكلات لدى الأطفال يمكن استخدام بعض النشاطات الشيقة أهمها[4]:

  1. نشاط المكعبات: إعطاء الطفل مجموعة من المكعبات والقطع الخشبية لبناء أي شيء يرغب به، وتحتاج عمليات البناء إلى التفكير والإبداع للوصول إلى تصميم إبداعي، والطلب من الطفل تصميم شيء محدد يحتاج إلى حل أكثر تعقيداً، لتطوير قدرته على حل المشكلات.
  2. نشاط البحث عن الكنز: تعد لعبة البحث عن الكنز من الألعاب المثيرة للطفل والتي تنمي لديه التفكير المنطقي والهادف، للحصول على الكنز من خلال مجموعة من الرموز والإشارات، ويمكن اشتراك جميع أفراد المنزل في اللعبة، حيث يتم وضع الكنز ووضع رموز وعلامات معينة ومنح الطفل الأدوات اللازمة لإيجاده.
  3. لعبة المتاهة: تعد لعبة المتاهات من الألعاب الآمنة والممتعة لكافة المراحل العمرية، وتساهم في تنمية المهارات الحركية وقوة الملاحظة، والتركيز الذهني، وتوقع الطريق الصحيح.

ومن الأساليب التربوية الحديثة لتنمية مهارة حل المشكلات لدى الطفل، إعادة صياغة المناهج الدراسية، وأساليب التدريس، والتقويم التربوي وفق استراتيجية حل المشكلات.

رابعاً: تنمية مهارة اتخاذ القرارات لدى الأطفال

اتخاذ القرارات هي عملية فكرية نفسية للاختيار بين اثنين أو أكثر من البدائل، وتعتمد على المهارات النفسية الخاصة بمتخذ القرار، وتمر بمراحل متتالية تهدف جميعها إلى تحقيق الهدف الذي يريح الفرد وينهي حالة التوتر لديه، ومهارة اتخاذ القرارات تنمي قدرة الطفل على مواجهة الحياة بقوة دون خوف أو تردد، والاعتماد على نفسه، والتفكير بشكل منطقي للموازنة بين الخيارات المتاحة، واختيار ما هو مناسب له، وتحمل نتيجة هذا القرار.

وتمر عملية اتخاذ القرارات بعدة خطوات تشبه خطوات مهارة حل المشكلات وهي: تشخيص المشكلة، وتحليلها، وإيجاد البدائل المتاحة لحلها، وتقييم البدائل المتاحة، واختيار الحل الملائم للمشكلة، ومن الأساليب التربوية لتنمية مهارة اتخاذ القرارات لدى الأطفال، تشجيعهم على التفكير الاستقلالي من خلال إعطاء الأطفال فرصة لاتخاذ قراراتهم الصغيرة بأنفسهم، مثل اختيار ملابسهم وأصدقائهم والأنشطة والتي يرغبون بها، وتزويدهم بالمعلومات والخبرات الكافية المتعلقة بموضوع القرار، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.

نخلص إلى أن الوالدين والمربين والمعلمين يتحملون قسطاً كبيراً من مسؤولية إعداد الأطفال لمواكبة التغيرات السريعة في نمط الحياة ومسؤولياتها، مما يؤكد ضرورة إتاحة الفرصة للأطفال لاكتساب مهارات التفكير العليا، والتي تمكنهم من التعاطي الإيجابي مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في هذا العصر.


[1] مهارة التفكير الناقد لدى الأطفال (2022). http//www.annajah.net

[2] احمد عبادي الربيعي (2019). المناخ المدرسي وعلاقته بالقدرة على التفكير الابتكاري لدى طلبة المرحلة الثانوية، مجلة الدراسات الاجتماعية، جامعة العلوم والتكنولوجيا، اليمن، 19(10)، ص 43-72.

[3] مهارات التفكير الإبداعي (2023). http//www.eshraka-academy.com

[4] سامي بلال (2023). كيفية تنمية مهارة حل المشكلات عند الأطفال، http//www.hellooha.com