كيف ننمي ثقافة الاعتذار لدى أطفالنا copy
الأثنين 2 جمادى الأولى 1446هـ by ajjaj

كيف ننمي ثقافة الاعتذار لدى أطفالنا؟

قد تكون كلمة آسف من أسوأ الكلمات التي نعلمها لأطفالنا أثراً، إذا كان استخدامها مقتصراً على محوِ كل عملٍ خاطئٍ يقوم به الطفل أو أذى يتسبب به لشيء أو شخص.. وكأنها الكلمة السحرية التي ينجو بها من كل فعل.. بل هي ربما تزيد جرأته على ارتكاب الأخطاء، لأنه ومهما فعل يمكنه أن يقول بعدها ببساطة.. أنا آسف.
فما الحل لاستخدامها بطريقة صحيحة وليس ككلمةِ سرٍّ للخروج من المآزق؟!

ليس مجرد كلمة.. يجب أن ندرك ويدرك أطفالنا أن الاعتذار ليس مجرد كلمةٍ خفيفةٍ على اللسان ثقيلة في قلوب من نقدّمها لهم.. بل الاعتذار شعور بالأسى والندم على ما تسببنا به من سوء مهما كان حجمه.. هي أنني أعي أنني أحزنتك وأتمنى لو أنني لم أفعل.. وأبذل في سبيل التعويض عن الحزن الذي تسببته وقتاً وجهداً..
والخطأ الذي يقع فيه الكثير من المربين عند تعليم الاعتذار أن يجلبوا الطفل المخطئ ويقولوا له: قل آسف.

بدون مناقشة أسباب الفعل وتبعاته ووصوله إلى شعور الندم الذي يجعل اعتذاره صادقا

فنكون بهذا ساعدناه للخروج من المشكلة بدون أدنى إحساس بالمسؤولية وطبعا بدون إدراك للخطأ.

والصحيح أنني عندما أريد أن أبدأ بتعليم طفلي الاعتذار فلا بد من النقاش معه في كل مرة عن الحدث وأسبابه وما الشيء الخاطئ الذي قام به ويستدعي اعتذاراً
فوعيه بالسبب الذي يعتذر لأجله يجعل اعتذاره أكثر صدقًا.
-آسف لأنني أحزنتك عندما رفعت صوتي عند الحديث معك
-وآسف لأنني آلمتك عندما صدمتك بدون أن أنتبه
تجعله هذه الطريقة يشعر بمسؤوليته تجاه الحدث وتزيد حساسيته تجاه المشكلة ويكون هذا أدعى لعدم تكرارها مستقبلًا.
أضع نفسي مكانه.. ولأحقق المطلوب من شعور الندم على ما فعلت ويكون اعتذاري أكثر صدقًا فلا بد لي أن أشعر بشعور الطرف المقابل..
فنقول للطفل مثلاً: – كيف كنت ستشعر لو أنه فعل معك مثل الذي فعلت.؟؟
– ما إحساسك لو تصرّف معك أحد بهذه الطريقة المزعجة.؟؟
– هل تقبل أن يقول لك أحد هذا.؟؟
ومن إجاباته نوجّهه إلى شعور الطرف الآخر أو مدى الضرر الذي ألحقه، وحينها يكون شعور الندم حقيقيا كما هو الاعتذار.

وليس أبلغ من كلام رسولنا عليه الصلاة والسلام حين قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وليس فقط أن أحبَّ له الخير في الأمور المادية، بل حتى في الشعور!!.. فننبّه الطفل أن ينظر في ما يسببه فعله من شعورٍ عند الآخر، فإن لم يكن يحبه لنفسه فلا يجعل غيره يشعر به بسببه، فإن ذلك يضعف الإيمان.

التعويض ودرجات الاعتذار.. أحياناً يكون الخطأ بسيطاً وتكفيه كلمة اعتذار صادقة.. وأحيانا يكون الخطأ أكبر ويحتاج مع الاعتذار الصادق إصلاحًا لما تم تخريبه.. وأحيانًا يكون الأذى النفسي هو الأكبر فنحتاج لبذل جهد ووقت في إيجاد ما يجبر قلب من آذيته -وخاصة إذا كان قريبًا أو صديقًا.

فنعلّم الطفل ونعطيه من الوسائل ما يمكن أن يستخدمه ليدخل السرور والرضى على قلب من حزن بسببه وخاصة إذا كان الشخص من العائلة أو من الأصدقاء المقربين له.. فنساعده مثلًا ليكتب رسالة لمن يريد أن يعتذر منه، أو قد يجلب له هدية.. أو يفاجئه بأمر يحبه، فالقلب أحيانًا يحتاج إلى جبرٍ بعد الحزن.

وبالتوازي مع هذا نعلّمه عِظَم ما يقوم به عند الله من خلال حديث نبينا عليه الصلاة والسلام حين قال: أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُـرُورٌ تُدْخِلُـهُ عَلَى مُسْلِـمٍ .

حق الله وحق الناس.. وماذا بعد التعويض والاعتذار؟، عندما يتم محو الإساءة من قلب من أسأنا له وهي لا زالت قابعة في صحائفنا؟

فالله سبحانه لا يقبل أن نسيء لعباده، كما لا يحبّ أن يُساء إلينا، فسبحانه هو ودود يحبنا.. خلقنا ورعانا وكرّمنا وأعطانا الكثير لنسعد، ولا يرضيه أن نؤذى غيرنا.

يجب على الطفل إدراك هذا المبدأ من عمر صغير (بطريقة التحبيب والترغيب بالطبع) فكل خطأ مع العباد له عليه حقّان.. حق للشخص.. وحق لله خالقه الذي لا يرضى له الأذى، وعندما يخطئ ابننا مع أحدهم ويستشعر خطأه ويحاول التعويض حتى يتقبله الطرف الآخر نثني على حنانه وشجاعته ثم نقول: هذا حق الناس فأين حق الله؟ ونعوّده على الاستغفار ليرضى الله رب الناس عنه، ثم في عمر أكبر نعلّمه التوبة وشروطها، من حزن واستغفار وعدم العودة إلى الذنب (مع إصلاح للخطأ، وفي هذه الحالة مع استسماح الطرف الآخر).. واستشعاره لمعنى اسم الله التواب سيزيده ذلك تقبّلاً للخطأ وللاعتذار أيضًا، فسبحانه من يتوب علينا بدون ملل مرارًا وتكرارًا.

اعتذر إذا أخطأت معه.. وكما هو الحال بالنسبة لأغلب القيم التي لا يستقيها الطفل ويتشرّبها إلا برؤيتها تُمارَس من قِبل أهله كقيمة راسخة عندهم، كذلك الاعتذار، حين يراني وأنا صاحب السلطة أعترف أنني أخطأت وأحاول الإصلاح، حين أقول أنني لم أستطع ضبط نفسي هنا وأن الغضب تملّكني هناك.. حين أقول “حقك علي” لم أقصد أن أحزنك.. حين أحاول التعويض بطرق محببة له ساعيًا كسب قلبه.. هناك يدرك من صغره أن هذا هو الحال الذي يجب أن يكون عليه، وأن هذا هو الصواب فيتبنى هذه القيمة وهذه الطرق عندما يكبر بدون غضاضة بل بكل قوة، لأن الاعتذار بأفضل أشكاله لا يخرج إلا من قوي واثق.

الاعتذار قوة.. وهل أجمل من قصة حبيبنا حين نكز سواد بن غزية في بطنه يوم بدر وهو يرص الصفوف، ليعدّل من وقفته حيث كان متقدّما عن أصحابه، فادّعى سوادٌ أنه عليه الصلاة والسلام قد آلمه، فما كان من رسولنا العظيم إلا أن كشف عن بطنه ليقتص سوادٌ لنفسه.

لم يتوقف ليقول له أنه يبالغ، وأن الموضوع أبسط من أن يتحدث به، أو أن الموقف لا يستدعي مثل هذا، أو أنه رئيس للجيش ويحق له أن يسوّي الصفوف بأي طريقة رآها مناسبة أو أو أو..، بل أقرّ على فوره أنه أخطأ ووضع نفسه مكان سواد فلم يقبل الألم له وعوّضه بأن سمح له أن يقتص منه بنفس الطريقة.

ولم يكن من سواد حينها إلا أن أمسك بالنبي وقبّل بطنه، وحين سأله النبي عن السبب قال إنه يريد أن يكون آخر عهده بالدنيا أن يمس جلده جلد النبي عليه الصلاة والسلام.

فلنعلّم أبناءنا ثقافة الاعتذار النبوية.. لا تبرر خطأك، فمن القوة أن أقف وأقول أنا أخطأت وإني أعتذر، ولا تُسرف طاقتك في إظهار أنك على حق أو استخراج أسباب تخفيفية لخطئك بل وظّفها في طرق الإصلاح والتعويض.

  • ويفيد التنويه هنا أنه وفي حال لم يكن الشخص من المقربين فإني أعتذر منه مرة وأعطيه وقته الكافي إن لم يقبل، وأعود لأعتذر ثانيةً بصدق، فإن وجدت منه إعراضًا وعدم قبول لاعتذاري فلا حرج علي وهذا قراره هذا لأن الكثير من الأصحاب قد يستغلون هذا الأمر- بوعي أو بغير وعي – ويجعلون الطفل يعتذر منهم طوال الوقت مما يضعف موقفه وحجّته، أو قد يجعله عرضة للاستغلال لأنه يريد رضاهم، وهذا ما لا يُحمد وما لا نريد.
  • كما ولا نجبر الطفل على الاعتذار بالإكراه.. فمشاعر الغضب والانكسار هي عكس القوة التي نريده أن يستشعر بها، فمن الضروري تحقيق ما تم الحديث عنه مسبقا من نقاش حول الفعل وأسبابه ونتائجه ومشاعر الطرف الآخر ليكون اعتذاره نابعًا من قوة في نفسه.

التسامح أيضًا قوة.. علّمه التسامح وأن يقبل بدوره اعتذار غيره.. فالعفو هو من أنبل الأخلاق ولا يقوى عليه إلا كل ذي نفس عزيزة.

قال رسولنا ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك

وأحاديث العفو والآيات في القرآن كثيرةٌ تحُثنا عليه، وترينا كم هو عظيمٌ أمره وأمرُ العامل به..

فلنشجع الطفل أن يقبل اعتذار من أخطأ في حقه، وإن رأى من أحد جهداً لإرضائه بعد مشكلة حدثت أن لا يرهقه ويطيل عليه حتى يسامحه.. ولنا في حبيبنا أسوة حين عفا عن أهل مكة في أعظم مواقف العفو في التاريخ يوم الفتح، وقصص عفوه كثيرة لا تكاد تكفيها الصفحات، .

من منا لا يخطئ؟؟.. ولكن فلنَحذر أيها المربون أن يأتي مع تعليم هذه الثقافة تركيزٌ شديدٌ على أخطاء الطفل وكل صغيرة وكبيرة يفعلها، بل مع ثقافة الاعتذار وشعوره بالندم ووضع نفسه بموقع من أحزنهم وجب أن يعرف أن الخطأ جزء من بشريتنا، وكل خطأ هو فرصة للتعلّم والتطور، وعليه يجب أن أسامح نفسي- بعد أن وعيت خطأي وتعلمت منه- ثم أطلب السماح ممن أخطأت بحقه، فالتسامح يكون مع النفس أولاً إن أردتها نفساً سويّة، وإلا فلن يرى في نفسه إلا قصوراً وأخطاء ستشوّه نظرته لنفسه وتمنعه بالتالي عن أي تحسين فيها، فسبحانه من خلقنا غير كاملين نخطئ ونصيب ومع كل خطأ نصبح أقوى وأفضل.