4
الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ by abofares

كيف يكوِّن الطفل صورة إيجابية عن نفسه؟

تكوين صورة إيجابية عن الذات يُعد أحد أهم الحاجات النفسية والانفعالية الأساسية للفرد لا سيما في مرحلة الطفولة، فتكوين الصورة الإيجابية عن الذات يشكل النواة والأساس لتكوين وتشكيل وبناء الجوانب المختلفة للشخصية، فإذا كان الأساس صلبًا ومتينًا سيكون البناء قويًا ومتماسكًا، أما إذا كان الأساس ضعيفًا ومهزوزًا فلا شك أن البناء سينهار عند أبسط الهزات، وتدريب الطفل على تكوين صورة إيجابية عن نفسه من عمر مبكر، يجعله أكثر قدرة على تكوين العلاقات المتينة، والشعور بالسعادة والأمان وامتلاك قوة الشخصية لمجابهة مختلف ضغوط الحياة.

وفي هذا المقال سنتطرق إلى توضيح بعض الطرق العلمية الناجحة لتدريب الأطفال على تكوين صورة إيجابية عن الذات، وذلك للإسهام في تطوير أساليب تربوية تواكب متطلبات الحياة المعاصرة، وإعداد جيل قوي يعتد بذاته ويعيد مجد أمته، وسنبدأ بتوضيح مفهوم الصورة الإيجابية عن الذات؛ وهي أن يضع الطفل لنفسه صورة ذهنية واقعية عن سماته الشخصية، وخصائصه الجسمية، وأدواره الاجتماعية، مما ينعكس في ثقته بذاته وتقبله لها ونمط تفكيره وتعامله مع الآخرين، كما تُعرَّف بأنها تقبل الطفل لذاته تقبلاً إيجابياً؛ ينعكس على احترامه لنفسه وتقديره لذاته وتبنى نظرة إيجابية وتفاؤلية نحو ذاته والآخرين والحياة؛ بما يؤهله لتحقيق النجاح الشخصي والرضا عن الذات، وتشمل الشعور بالرضا عن النفس والتفكير بطريقة إيجابية حول مظاهر الحياة المختلفة، ولها تأثير على الصحة النفسية والجسدية وطريقة التفاعل مع الآخرين.

وتعد الصورة الذاتية للطفل من المحددات المهمة لتكوين شخصيته منذ الصغر حتى الكبر مما يؤهله للنجاح في المستقبل، وهي بمثابة الأساس لتكوين مفهوم الذات، حيث تشمل الإدراك المعرفي والمهارى والوجداني والحسي، كما تشمل المشاعر والخبرات والاحتياجات، فهي تعطى صورة كمية شاملة عن النفس، كما أنها تجمع النجاحات والإخفاقات، وتتكون عبر سنوات الطفولة ويساهم في تشكيلها الوالدان والمربون ومؤسسات التنشئة والتطبيع الاجتماعي في المجتمع.

دور الأسرة في تكوين الصورة الإيجابية عن الذات لدى الطفل

تقوم الأسرة كأول مؤسسة لتربية الأطفال ببث مجموعة العادات والتقاليد، والقيم والمعايير والأفكار التي يتشكل وعي الأطفال بها منذ الصغر، كما أن الأسرة تحف أطفالها بالحب والاهتمام والثقة والتشجيع، والتفهم والرعاية، وعادة ما يكون أسلوب الوالدين من العوامل المؤثرة على تكوين الصورة الإيجابية عن الذات لدى الأطفال، وعندما تثبت الصورة الذاتية في وعى الطفل يبدأ بالتصرف بناءً على هذه الصورة، وهنا تكمن ضرورة أن تقوم الأسرة بتعريف الطفل بمميزاته ونقاط قوته، ليتمكن من تعزيز الجوانب التي يتميز بها ويعمل على تطويرها، كما يتقبل عيوبه ونقاط ضعفه ويعمل على تجاوزها، وهذا ما يطلق عليه بالتحول من الصورة الذاتية الثابتة للطفل إلى الصورة المتحركة، والمقصود بهذا التحول هو تطوير الطفل من خلال تدعيم الصفات والمميزات الإيجابية وتقويتها، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تكونت عن نفسه، وعدم مقارنة الذكور بالإناث من حيث الاختلافات الجسمية أو العقلية أو النفسية، وترسيخ فكرة تقبل الذات، وتعزيز التكامل بين الأسرة والمدرسة في العملية التربوية.

دور المربي في تكوين الصورة الإيجابية عن الذات لدى الطفل

يُعد المربي قدوة لكل المتعلمين وخاصة الأطفال في مرحلتي رياض الأطفال والتعليم الأساسي، فالمربي في هذه المراحل يكمل الدور الذي قام به الوالدان، ويعد المحضن التربوي هو المؤسسة الثانية بعد الأسرة المنوط بها تنشئة الأطفال وتشكيل شخصياتهم، وعلى المربي أن يتوافق مع صورته الذاتية قبل أن يبدأ في تكوين الصورة الإيجابية للأطفال، فيبدأ المربي بتنمية الصفات الإيجابية لدى الأطفال، واعتبار أخطائهم منطلقاً لتحسين أدائهم، وتشجيعهم على تحقيق الإنجازات، وبث الفكرة عندهم أن عدم قدرتهم على فعل بعض الأشياء لا يعد نهاية الأمر، وبإمكانهم تحقيقه فيما بعد، كما يجب على المربي تجنيب الأطفال العوامل المؤثرة سلباً على تكون الصورة الإيجابية لديهم مثل: مشاعر الخوف، وذلك بكسر حواجز الخوف داخل الفصل الدراسي وأثناء الأنشطة الصفية واللاصفية، وتشجيعهم بشكل مستمر على المشاركة وتعزيز الثقة في النفس، وتعريفهم أن الخطأ ليس ذنباً وإنما منطلقاً للتصحيح، وكذلك تعزيز العوامل المؤثرة إيجاباً على تكوين الصورة الإيجابية، مثل: تعزيز العلاقة الجيدة مع الأطفال، وزيادة الدافعية لديهم للتعلم والإنجاز، وإعطائهم التغذية الراجعة لسلوكياتهم حتى يتم تصحيحها أولاً بأول، وإشعارهم بأهميتهم وقيمتهم لديه.[1]

سُبل تكوين الصورة الإيجابية عن الذات لدى الأطفال

يعد تكوين صورة إيجابية عن الذات من الحاجات الأساسية في تكوين شخصية الطفل، وتشمل تكوين صورة إيجابية عن السمات الشخصية، والخصائص الجسمية، والأدوار الاجتماعية للطفل. وتدريب الطفل على تكوين صورة إيجابية عن الذات، يحتاج إلى إعداد وتنفيذ برامج إرشادية موجهة تستهدف الأطفال في مراحل نموهم المختلفة بما يتناسب مع خصائص النمو لكل مرحلة، وسنتناول بعض الطرق التي يمكن تنفيذها في الأسرة والمدرسة والمحضن التربوي والنادي، وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومن أهمها:

  1. العناية بصحة الأطفال الجسمية: من خلال تفعيل البرامج والمسابقات الرياضية في المدراس والمحاضن التربوية، وتشجيع الأطفال على الاشتراك في الأندية الرياضية لممارسة الألعاب المختلفة مثل الكراتيه والتيكواندو وغيرها من التمارين الرياضية التي تقوي الجسم وتحافظ على لياقته البدنية، فالمؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، بالإضافة إلى توجيه الأطفال إلى الاهتمام بمظهرهم الخارجي، والالتزام بنظام غذائي متوازن وصحي يحتوي على الخضروات والفواكه والبروتينات والكربوهيدرات والدهون المفيدة، والابتعاد عن الأغذية المصنعة والغنية بالدهون والسعرات الحرارية الزائدة، واتباع نمط صحي للنوم.
  2. الاهتمام بصحة الأطفال النفسية: من خلال بث روح التفاؤل والأمل في نفوس الأطفال، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، من خلال تكليف الأطفال بأعمال بسيطة وتحميلهم مسؤوليات صغيرة يمكنهم القيام بها، وتدريبهم على مواجهة الأفكار السلبية واللاعقلانية، والتعامل مع ضغوط الحياة بطريقة إيجابية، وتجنب الإجهاد والقلق الزائد، ومن البرامج التي تنمي الصحة النفسية: ممارسة الاسترخاء، وتقنيات التنفس، وقراءة القصص الملهمة ومشاهدة الأفلام التعليمية الهادفة.
  3. تحسين المهارات الشخصية للأطفال: من خلال تدريب الأطفال على المهارات الأساسية كالقراءة والإملاء والتعبير والخط، ومهارات العصر المتمثلة بالتعامل مع الحاسوب واللغة الإنجليزية، والرسم، والتصوير، والتصميم، والبرمجة، والدورات الصحية، وأيضا تنمية الاهتمام بالثقافة العامة والفنون الهادفة، وتشجيع الأطفال على التعلم المستمر والوصول إلى أعلى مراتب النجاح الدراسي، والاستفادة من التقنيات الحديثة في التعلم الإلكتروني، والاطلاع على آخر المستجدات العلمية والتكنولوجية، ولاشك أن اكتساب الطفل للمهارات تشعره بتميزه عن غيره مما يكوِّن لديه صورة إيجابية عن نفسه.
  4. تشجيع الأطفال على تحقيق الإنجازات: وذلك بإظهار الاهتمام بما يقومون به، والإشادة بإنجازاتهم حتى لو كانت صغيرة ، من خلال كلمات الشكر والثناء والمكافآت المادية والمعنوية، وإتاحة الفرصة للأطفال للتحدث عن أنفسهم ومشاعرهم ومشاركة أفكارهم أمام زملائهم وأولياء أمورهم ومعلميهم، في جلسات التعارف أو جلسات خاصة بمناقشة الإنجازات التي حققوها، وعدم تقييم شخصية الطفل بناءً على أدائه أو مستواه التعليمي، وربط التقييم بعملية التعلم وليس على درجة التحصيل النهائية، واستبعاد كلمة فاشل من قاموس المربي وتوفير بيئة تعلم ممتعة، ومن ذلك: المكافأة على إنجاز الواجبات المنزلية، وتفعيل لوحة النجوم بحيث يمنح الطفل نجمة عن كل عمل إيجابي يقوم به خلال الأسبوع، ثم تقديم مكافأة مقابل ذلك، ولا شك أن تحقيق الإنجازات يعزز الصورة الإيجابية عن الذات لدى الأطفال.
  5. مساعدة الأطفال على وضع خططهم الشخصية: وذلك بتدريبهم على تحديد رؤية ورسالة وأهداف في الحياة، ووضع خطة مرنة لتحقيقها وكتابة الخطة الشخصية وتعليقها في مكان بارز في البيت لمشاهدتها باستمرار، والعمل بجد لتنفيذها، وتدريبهم على إدارة الوقت، والسرعة والدقة في إنجاز الأعمال، ولا شك أن وضع الخطة الشخصية يشعر الطفل بأنه صاحب رسالة ورؤية وأهداف، وأنه من الناجحين في المستقبل.
  6. تحسين العلاقات الاجتماعية للأطفال: مساعدة الأطفال على تكوين علاقات مستمرة وناجحة، وذلك بحسن التواصل مع الآخرين لاسيما الإيجابيين منهم، والاستماع لهم وتقديم المساعدة عند الحاجة، وقضاء أوقات ممتعة مع العائلة والأصدقاء، والجلوس مع المرشدين التربويين والحكماء في المجتمع وكبار السن في العائلة للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم وإرشاداتهم، وتكوين صداقات قوية مع زملائهم من خلال التفاعل الإيجابي وممارسة الألعاب الجماعية معهم.
  7. منح الأطفال الحرية الكافية: وذلك بإعطاء الأطفال المساحة الكافية والمناخ الملائم للقيام بأعمالهم وتجربة أشياء جديدة، والسماح لهم بالتعلم من أخطائهم، وذلك بتحويل الأخطاء إلى فرص للتعلم، وليس للنقد والتوبيخ والسخرية من الطفل، وترشيد الرقابة في الأسرة والمدرسة حتى لا تتحول إلى عائق أمام الأطفال ومصدر للخوف والإرهاب.
  8. مساعدة الأطفال على الاعتناء بجمال مظهرهم: وذلك بتوجيه الأطفال إلى العناية بمظهرهم الخارجي، من خلال ارتداء الملابس النظيفة والمناسبة والذي يؤثر على مشاعرهم نحو الآخرين ومشاعر الآخرين نحوهم، بالإضافة إلى أن ارتداء الملابس المناسبة يعزز الارتياح والقبول الاجتماعي، كما أن النظافة الشخصية لها تأثير على تكوين صورة إيجابية عن الذات، وقد  حث على ذلك وأكده شرعنا الإسلامي بالأمر بالطهارة بقوله تعالى وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [سورة المدثر:4]، وجعل الطهارة أول أبواب الفقه الإسلامي، وعن عبد الله بن مسعود أن النبي   قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، قال: إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس[2]

الخلاصة أن تكوين صورة إيجابية عن الذات لدى الطفل تعد ثمرة من ثمرات التربية الناجحة، وتحتاج إلى وقت وجهد وإتقان وتكامل الأدوار من قبل الأسرة والمدرسة و المحضن التربوي والقائمين على العملية التربوية والتعليمية.


[1] دعاء عبدالكريم أبو الرجال (2021). تأثير المعلم/المعلمة في رسم الصورة الذاتية للطفلة، المجلة التربوية، كلية التربية، جامعة سوهاج. يونيو(3)، ص 861- 873.

[2] رواه مسلم حديث: (147)، صحيح مسلم (1/ 65 ط التركية)