متى وكيف نقدم السيرة لأبنائنا؟
عدم معرفتهم، لها سببان:
أن نُعلّم أولادنا الدين بكل ما فيه من عبادات وأخلاق وعلاقات وسلوكيات من خلال القصص، أفضل من التعليم المجرد، وأن تكون هذه القصص هي قصص نبينا محمد ، فهذا أفضل ما يمكن أن نقدمه لأولادنا، كي يحبوا رسول الله فيتبعوه، أولًا، وكي نضمن أنهم يمشون في الطريق الصحيح عندما يتبعونه ثانيًا.
قال تعالى: لَّقَد كَانَ لَكُم فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ یَرجُوا ٱللَّهَ وَٱلیَومَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرا [سُورَةُ الأَحزَابِ: ٢١]. وليعلموا أن اتباع الرسول الكريم هو في الحقيقة اتباع لله تعالى: قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَیَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِیم [سُورَةُ آلِ عِمرَانَ: ٣١].
أفضل وقت لسرد السيرة، هو قبل النوم، بعد أن نتخلص من جميع المشتتات. كذلك وقت السيارة هو وقت ذهبي للحديث عن السيرة، خاصة أننا في العصر الحديث بتنا نقضي وقتًا طويلًا نسبيًا في السيارة.
هناك أسلوبان رئيسان لعرض السيرة الشريفة:
الأسلوب الشامل:
نقص الأحداث الرئيسية في السيرة بدون ذكر التفاصيل في جلسة واحدة أو جلستين، كي يصبح عند الطفل تصوّر كامل للسيرة، وهذه تكون بعمر سبع سنوات وأكثر، مع تعليم الطفل أن يصلي على النبي ، كلما ذكر اسمه.
الأسلوب التفصيلي:
نقص أحداث السيرة بشكل مجزّأ على جلسات كثيرة، وبمواقف كثيرة، في كل مرة نذكر حدثًا بشكل تفصيلي.
لكن لا نتعامل مع السيرة على أنها مجرد قصص نقصها على أولادنا، لابد من متابعتهم لتنفيذها، وربطها بمواقف يومية.
يقول بعض المربين: نريد أن نربط السيرة بحياة أولادنا لكن لا نعرف كيف؟.
ـ قلة إحاطتهم بالسيرة النبوية.
ـ عدم قدرتهم على اختيار موقف من السيرة يناسب الموقف الذي يمر به الطفل.
لحل المشكلة الأولى: على الوالدين عدم الاكتفاء بما يعرفونه من قصص السيرة، والتي قد يكون كثير منها غير صحيح، من فضل الله علينا أن المصادر الصحيحة أصبحت متوفرة للعامة، مثل كتاب الرحيق المختوم، وكتاب اليوم النبوي.
أما حل المشكلة الثانية فهي أيضًا متصلة بطريقة ما مع حل المشكلة الأولى، لأن كثرة القراءة والاستماع للسيرة النبوية، يجعلنا نعرف كيف نربطها بالمواقف اليومية لأطفالنا بشكل مباشر، وكيف نربطها بحياتنا نحن كمربين فنكون قدوة لأولادنا.
يحدث في البداية أنه بعد أن ينقضي الموقف، يخطر ببالنا موقف السيرة المناسب له، أو بعد أن ينقضي الموقف نجلس مع أنفسنا ونسألها: “أي موقف من السيرة يناسب ما حدث؟”.
وهكذا يتدرب عقلنا، ويصبح سريع البديهة يربط مواقف أطفالنا مع المواقف المناسبة من السيرة.
تختلف المعلومات المقدمة من السيرة وطريقة التقديم، باختلاف عمر الطفل.
وباعتبار أن هذا المقال يتناول الطفل من عمر ٤_٦ سنوات فينبغي أن نعلمهم التالي:
- المعلومات الأساسية عنه :
وقت ومكان ولادته، اسم أمه، اسم أبيه، اسم جده، نسبه الشريف.
هذه المعلومات تقدم من عمر أربع سنوات، عن طريق الأناشيد المحببة للأطفال.
يمكن الاستعانة ببطاقات تعليمية لتقديمها، تجدون هذه البطاقات متوفرة للطباعة على الانترنت، في كل بطاقة توجد معلومة من المعلومات السابقة، نعرض هذه البطاقات على الطفل بطريقة إبداعية، كأن نضعها في صندوق وكل يوم يسحب الطفل بطاقة بشكل عشوائي، ثم يتعلم ويحفظ المعلومة الموجودة عليها.
أو عن طريق لعبة المطابقة، حيث تُكتب المعلومة في بطاقتين، يطابق الطفل بين المعلومة وبين جوابها الصحيح، مثال: في بطاقة نكتب “اسم أم النبي” وفي بطاقة ثانية “آمنة” وعلى الطفل أن يطابق بين هذه البطاقتين.
- الوحي والمعجزات:
في عمر ست سنوات يكون الطفل قابلًا لفهم معنى المعجزات، والأمور الخارقة للطبيعة، من ضمنها الوحي، وكي لا يخلط بينها وبين ما قد يشاهده في التلفاز مثل كلام شخصيات أفلام الكرتون مع الحيوانات، أو الأبطال الخارقين، علينا أن نوضح له أن المعجزات أمر حقيقي وليست خيالًا، وقد أعطاها الله القدير لنبيه محمد دليلًا على نبوته كي يصدقه الناس، وإكرامًا له، من هذه المعجزات الجمل الذي اشتكى لرسول الله أن صاحبه يجيعه ويتعبه.
- معاملته للصغار:
من طبيعة الإنسان أنه يحب المحسنين، ويزداد حبه عندما يكون هذا الإحسان موجها له أو لأقاربه أو لمن يخصه ويشبهه.
لذا عندما يعرف الصغار كيف كان رسول الله يحسن للصغار الذين مثلهم، يلاعبهم ويلاطفهم ويقربهم إليه في المجالس، فإن ذلك يزيد في حبهم لرسول الله .
- طريقة تقديم القصة:
نحكي للطفل قصة من قصص النبي مع الصغار، ثم نطلب منه أن يتوقع كيف تصرف رسول الله .
مثال: جاء رسول الله ليصلي في المسجد، وهو يحمل الحسن أو الحسين رضي الله عنهما، عندما سجد رسول الله ، صعد الصغير على ظهره، توقعوا ما هو رد فعل النبي؟.
عن عبد الله بن شداد قال: “خرج علينا رسول الله في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله ، فوضعه ثم كبَّر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر الرسول الكريم، وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي؛ فلما قضى رسول الله الصلاة، قال الناس: “يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يُوحى إليك، فقال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته1صحيح النسائي، الصفحة أو الرقم (1140).!!
- شجاعته:
نحدث الطفل عن شجاعة النبي منذ عمر أربع سنوات، لكن يتم التركيز أكثر على قيمة الشجاعة في السيرة النبوية ابتداء من عمر ثماني سنوات، حيث يميل الأطفال خاصة الذكور منهم في هذا العمر للأبطال والشجعان، كتب السيرة مليئة بالمواقف الدالة على شجاعة رسول الله في السلم والحرب، مثل هذا الموقف: “فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناسٌ مِن قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله راجعًا، وقد سبقهم إلى الصوت، -وفي رواية-: وقد استبرأ الخبر – وهو على فرس عُرْي لأبي طلحة، في عنقه السيف، وهو يقول: لن تُراعوا، قال: وجدناه بحرًا، أو إنه لبحر، قال: وكان فرسًا يبُطَّأ))2متفق عليه..
ونحدثهم عن شجاعته في غزواته ، عن علي قال: ” لقد رأيتُني يوم بدر. ونحن نلوذ (أي نحتمي) بالنبي عليه السلام وهو أقربنا إلى العدوِّ، وكان مِن أشدِّ الناس يومئذ بأسًا))3حسن سنده محقق شرح السنة.. ومن عمر عشر سنوات تقريباً نتوسع أكثر بتفاصيل الغزوات …
- تعامله مع أهل بيته:
لابد من الحرص على شمولية الطرح في جوانب السيرة النبوية، نحدثهم عن شجاعة رسول الله، وأيضًا نحدثهم عن رفقه مع أهل بيته وصحبه، كي تكون معرفتهم بالسيرة شمولية متوازنة، لا تميل إلى طرف واحد.
قالت عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته” أخرجه أحمد، والترمذي في الشمائل
طريق تقديم صفاته:
تبادل الأدوار:
بعد عمر تسع أو عشر سنوات، يمكن أن نتبادل الأدوار مع أولادنا، بحيث هم يبحثون عن قصص من سيرته ويخبرونا بها في جلسة عائلية.
ماذا نستفيد من هذه الطريقة؟
- هذه الطريقة حماسية وفعّالة أكثر.
- تعلم الطفل طرق البحث بشكل عام.
- تعلم الطفل التأكد من صحة القصص المنسوبة للسيرة النبوية، كي يصل إلى مرحلة يتقصى قبل أن يصدق كل ما يسمع.
وكي نساعده ونسهل عليه المهمة في البداية، يمكن أن نحدد له عدة فيديوهات أو كتب وقصص يبحث فيها، مثل سلسلة أبجديات الثقافة الإسلامية على اليوتيوب، أو كتاب مختصر الشمائل المحمدية، وكتاب اليوم النبوي.
نشاط ماذا نفعل؟
هدف النشاط هو معرفة كيف يطبق الطفل القيم التي تعلمها من السيرة النبوية في حياته، كي لا يكون هناك انفصال بين الجانب النظري والجانب التطبيقي.
يمكن تنفيذ هذا النشاط بطريقتين:
- الأولى: في أي وقت بدون تحديد، نسأل الطفل عن موقف محدد ونقول له: ماذا تتوقع أن رسول الله سيفعل لو كان معنا في هذا الموقف؟.
- الثانية: عندما يتعرض الطفل لموقف ما، نسأله: “ماذا ستفعل لو كان رسول الله يراك؟”
تلك هي الطريقة العامة لتقديم شمائله وصفاته للأطفال، والمربي الفطن هو من ينتبه إلى ما ينقص طفله من صفات ومهارات مثل الكرم أو الصبر أو حسن التعامل مع الناس، فيختار من سيرة النبي المواقف التي تدعم ذلك وتحث على ذلك، فيقصها على طفله ويكررها حتى تصبح عنده عادة.