6
الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ by abofares

التنمر: أسباب وحلول

من التجارب المؤلمة التي لا بد أن يتعرض لها الطفل في سن المدرسة أو المراهقة هي ظاهرة التنمر، فمن المؤلم أن يعتقد الطفل بتدنّي احترام الآخرين لذاته وأن يشعر بالضعف بسبب تجاوزهم، عدا عن التأثيرات الأخرى التي يحدثها التنمر والتي قد تكون طويلة الأمد، وهو ما سنتطرق لذكره تباعًا..

وفي البداية لا بد من تعريف هذه الظاهرة المجتمعية، فالتنمر هو سلوك عدائي متعمّد يتسم بالتكرار، بحيث يتعمد فيه الشخص المتنمر إلحاقَ الأذى بالطفل والإساءة إليه سواء أكانت هذه الإساءة نفسية؛ (كالكلام المؤذي وتوجيه الألفاظ النابية، أو السخرية والاستهزاء واستخدام الألقاب الجارحة)، أم جسدية؛ بالاعتداء الجسدي (كالضرب ونحوه، أو السرقة، أو إتلاف الأغراض الشخصية).

كما قد يأخذ التنمر أشكالاً أخرى؛ كالتنمر الإلكتروني عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؛ من خلال التهديد أو الإزعاجات المتكررة.

ويمكن أن يكون التنمر غير مباشر؛ من خلال النميمة أو الافتراء وتشويه السمعة أو إطلاق الشائعات المؤذية.

وكل هذا -بالتأكيد- يتنافى مع ما أمرنا به دين الإسلام، عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه قال، عن النبي   قال: المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه[1]

ومن المهم للمربي أن يدرك بأنه عادةً ما يتعرض الطفل للتنمر من قِبل أقرانه في الحي أو المدرسة، أو ربما في الشارع، وغالبًا ما يتسم الشخص المتنمر بالعجرفة والغطرسة، بحيث يشعر بالعلو كأن يصنف نفسه ضمن طبقة اجتماعية أعلى أو يتمتع بشعبية بين أقرانه، ومن الممكن أن يمتلك صفات جسدية بدنيّة قوية تجعله يشعر بالأفضلية على غيره، ولذا فهو يستغل نقاط الضعف لدى الآخرين الذين يتعرضون لأذاه بشكل مستمر ليظهر قوته ويفرض سيطرته على من هم أضعف منه، أو يستغل وجود اختلاف في الآخر سواءً في المظهر، أو الحجم، أو الدين أو العرق؛ ليجعلها مادةً خصبة لتنمره ومصدرا لسخريته.

تأثير ظاهرة التنمر على الطفل

تنبع خطورة ظاهرة التنمر لدى الأطفال من كونها تسبب تأثيرات مؤذية للطفل متعددة الجوانب على المدى البعيد، وأخص بالذكر التأثيرات النفسية، ومن ذلك أن الطفل الذي يتعرض للتنمر:

  • يصبح أكثر عرضةً للقلق والتوتر.
  • يفقد الثقة بالنفس.
  • قد تصدر عنه عدوانية أو سلوكيات غير مبررة.
  • قد لا يرغب في تناول الطعام.
  • قد يراوده إحساس بالذنب، وشعور قاسٍ بالعجز، وإذ تطور الأمر فقد يصاب بالكآبة.
  • قد يتعزز لديه الشعور بالخوف من الآخرين.
  • قد يميل للانطواء والعزلة.
  • قد يشعر بالفشل في تكوين علاقات صحية وآمنة.

وكل تلك المظاهر التي سبق ذكرها قد تؤثر بدورها على تواصل الطفل مع أفراد مجتمعه المحيط به، كما قد يسبب تراجعًا في أدائه المدرسي ويؤدي إلى قلة مشاركته في الفصل، بل وحتى قد يتغيّب عن المدرسة.

أسباب ظاهرة التنمر عند الأطفال

هناك أسباب عدة، من أبرزها:

  • إن الغالبية من الأطفال الذين يقومون بالتنمر على غيرهم يكونون على الأرجح قد سبق وتعرضوا للتنمر، سواء من الأهل أم الأصدقاء.
  • وجود علاقة سيئة مع الأهل أو التعرض للإهمال من قِبل الوالدين، مما قد يدفعهم لإفراغ تلك المشاعر السيئة بالتنمر على الآخرين.
  • تقليد ما يرونه على التلفاز ووسائل الإعلام.
  • الغيرة والبحث عن الاهتمام ولفت النظر إليهم، إذ غالبًا ما يُفضّل الطفل المتنمر وجود جمهور حوله ليشعر بأهمية ما يقوم به.
  • التعرض للتنمر الإلكتروني والإساءة اللفظية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة في حال دخول الطفل في مجال الألعاب الإلكترونية في سن مبكرة، مما يجعله -بشكل كبير- عرضة للتنمر وتعلم أسوأ العادات دون رقابة أبوية كافية، أضف إلى ذلك: تعلمه للكلمات النابية وأساليب التنمر اللفظية المختلفة، وهو ما يقوي بواعث التنمر لديه بشكل لا إرادي، لأن معظم تلك الألعاب قائمة العنف.

حلول تربوية لمواجهة ظاهرة التنمر

لا تقتصر مواجهة هذه الظاهرة على الوالدين، بل من المهم أن يتسع مجال الإصلاح في هذا الجانب ليشمل المنظومات التربوية كلها، كالمدرسة والعائلة الكبيرة والمؤسسات المجتمعية، ومن الحسن أن نشير هنا إلى أهم ما يمكن أن تقوم به كل منظومة:

دور الأهل

  • من المهم تقوية الوازع الديني لدى الأطفال بتربيتهم على العقيدة الصحيحة والأخلاق الحسنة وتعميق قيم: التسامح والاحترام والرحمة والعدالة وغرس خصلة التواضع لديهم، والتأكيد على أهمية العمل بمقتضى قول الله ​​​​​​​: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  [الحجرات:11].
  • إن علاقة الطفل بأبويه هي العلاقة الآمنة في حياته والتي يستمد منها ثقته بنفسه، فلا بد من تعزيز ثقة الطفل بنفسه وتعزيز الجوانب الجيدة لديه بتذكيره بمواطن القوة والثناء عليها وتقديرها.
  • تعليم الطفل تقبل الاختلاف مع الآخرين، وحثه على القيام بالاندماج معهم -مع اختلافهم اختلافا مقبولا-، والمبادرة إلى الدفاع عن ضعيفهم حين يتعرض للمضايقة.
  • ينبغي الاستماع لمشاكل الطفل وإعطائه المساحة الكافية للتعبير عن نفسه، وأخذ التنمر عليه بعين الاعتبار لمساعدته في تجاوز ما يتعرض له بسلام وبأقل ضرر ممكن.
  • ويمكن أيضاً وضع حد لكل من يقوم بالتنمر وإيقافه سواء بتدخل الأهل أو المدرسة.
  • يمكن تعليم الطفل رياضة بدنية كالدفاع عن النفس لرفع قوته وتعزيز ثقته بنفسه، مع التنويه على أهمية استخدام المهارات الدفاعية في حفظ النفس وليس في استخدام العنف ضد الآخرين.
  • تعليم الطفل التعاطف مع الآخرين ومراعاة مشاعرهم والاكتراث لها.
  • التأكيد على إمكانية طلب المساعدة من الأهل وقت الحاجة.

دور المدرسة

  • إعداد الطاقم التدريسي والمعلمين بشكل جيد للتعامل مع ما يتعرض له الأطفال من حالات التنمر والإزعاج.
  • مبادرة المعلم لمساعدة الطفل المتعرض للتنمر؛ بتوفير الحماية الكافية له والتأكد من أن الشخص المتنمر لا يشكل أي خطر عليه.
  • توفير بيئة سليمة آمنة قائمة على الاحترام المتبادل في المدرسة، بحيثُ يستطيع الطفل طلب المساعدة من الموجه أو المعلم متى تعرض لمضايقة أو ما شابه.
  • لا بد من وجود مرشد نفسي مؤهل في المدرسة لتوجيه كل من الطفل المتنمر والمتنمَر عليه والتواصل مع ذويهم لتوضيح الصورة ومعالجة الخلل.
  • لا بد من توجيه الطفل المتنمر إلى أن يبادر إلى تصحيح خطئه بالاعتذار للطفل الذي قام بالتنمر عليه وعمل شيء لطيف له حتى يجعله يشعر بتحسن.

دور المؤسسات المجتمعية

  • يبرز هنا دور الجمعيات الخيرية والمؤسسات التي تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة وأطفال التوحد، وذلك من خلال النشاطات والفعاليات التي تقوم على دمج هؤلاء الأطفال بالأطفال الأسوياء، بحيث يتعلم الطفل هنا تقبُّل الاختلاف وأخذ الآخرين بعين الاعتبار وينبذ سلوك التنمر على الأطفال المختلفين، وذلك تحت إشراف أشخاص مختصين ومرشدين نفسيين.
  • لحلقات القرآن الكريم والدروس الدينية أيضًا دور مهم في تقديم الوعظ اللازم للطفل والتطرق إلى الموضوعات المجتمعية التي تلامس الواقع وربطها بالأخلاق التي ينص عليها ديننا مثل الرحمة والتواضع والإيثار وحب الخير للآخرين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله : لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ[2].

وختاما: أود التأكيد على معاشر المربين إلى أهمية التطرق إلى هذه الظاهرة المجتمعية السالبة، والتي أضحت من أبرز القضايا التي تؤثر بشكل جوهري على شخصية الطفل ونفسيته، -اليوم وفي المستقبل- من خلال: الاعتراف بوجودها، ورسم الحدود المناسبة لمعالجتها، والعناية بتوظيف الأساليب التربوية المختلفة في البيت والمدرسة، بل والقيام باللجوء إلى الاستشارات النفسية والأسرية عند اللزوم للتعامل معها بسلاسة في الوقت المناسب حتى نصل بأطفالنا إلى بر الأمان بإذن الله تعالى.


[1] متفق عليه.
[2] أخرجه البخاري.